للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على كل مسكر، فكل مسكر خمر، وكل خمر حرام.

وأما الميسر فهو: القمار. وهو يضيع المال، كما يضيع الخمر العقل، فجاء تحريمهما. والأنصاب: حجارة كانوا يذبحون قرابينهم عندها. وقيل هي الأصنام المنصوبة للعبادة. والأزلام: قِداحٌ كانوا يستقسمون بها، وهي من أمر الجاهلية، وتنافي الإيمان بالقدر.

قلت: والعطف بين هذه الأمور في التحريم يقتضي أن النجاسة في كل منها معنوية لا حسية، فالأنصاب حجارة، والأزلام قداح، فدَلَّ هذا أن نجاسة الخمر والميسر نجاسة معنوية.

قال ابن عباس: ({رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}، يقول: سَخَط). وقال ابن زيد: (الرجس: الشر).

أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن سليمانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عن أبيه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [مَنْ لَعِبَ بالنَّرْدَشِير، فكأنما صَبَغَ يَدَهُ في لَحْمِ خنزيرٍ ودمِه] (١).

قال العلماء: النردشير هو النرد. فالنرد عجميّ معرّب، وشير معناه حلو.

وأخرج أحمد وأبو داود بسند حسن عن أبي موسى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [من لعب بالنَّرْدِ فقد عصى الله ورسوله] (٢).

فعطف التحريم على التحريم، لا التحريم على النجاسة، فإنه لا يُعطف التحريم على النجاسة، أي تحريم النرد على تحريم أكل لحم الخنزير أو بيعه، وكنّى عن ذلك بصبغ الرجل يده في لحم الخنزير ودمه.

وقوله: {فَاجْتَنِبُوهُ}.

قال ابن جرير: (يقول: فاتركوه وارفضوه ولا تعملوه).

وقال القرطبي: (يريد أبعدوه واجعلوه ناحية، فأمر الله تعالى باجتناب هذه الأمور، واقترنت بصيغة الأمر مع نصوص الأحاديث وإجماع الأمة، فحصل الاجتناب في جهة التحريم، فبهذا حرمت الخمر). ثم قال: (قوله: {فَاجْتَنِبُوُهُ} يقتضي الاجتناب المطلق


(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٢٢٦٠)، كتاب الشعر. باب تحريم اللعب بالنردشير.
(٢) حديث حسن. أخرجه أحمد (٤/ ٣٩٧)، وأبو داود (٤٩٣٨)، وأبو يعلى (٧٢٩٠)، وغيرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>