للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"بين" إلى الكلام وهو مفرد؛ لأنه على تقدير الأجزاء، أي بين أجزاء الكلام ومفرداته. ومعنى "يعاظل" يجعل الكلام متعاظلًا، كما جاء في الحديث: "سابق بين الخيل" (١)، أي جعلها تتسابق.

واختلفت أقوالهُم في تفسير المعاظلة اختلَافًا يتبعون فيه ما يقتضيه اشتقاقُ اللفظ: ففسر أبو زيد المعاظلة بأن يُرَدِّدَ الكلامَ في قافيةٍ لمعنى واحد، يعني الإيطاء. وفسرها قدامة بأنها أن يُدْخِل في الكلام "ما ليس من جنسه، وما هو غيرُ لائقٍ به" (٢)، وهذا تفسيرٌ غلَّطه فيه الآمدي في الموازنة. وفسَّر هو المعاظلةَ بأنها شدةُ تعليق الشاعر ألفاظَ البيت بعضها ببعض، وأن يُداخِلَ لفظةً من أجل لفظة تُشبِهُها أو تُجانِسُها وإن اختلَّ المعنى بعضَ الاختلال، كأنه يعني الإفراطَ في التجنيس، ومثَّلها بقول أبي تمام:

خَانَ الصَّفَاءَ أَخٌ خَانَ الزَّمَانُ لَهُ ... أَخَا فَلَمْ يَتَخَوَّنْ جِسْمَهُ الكَمَدُ (٣)

لكثرة ألفاظ خان وتخون وأخ وأخا (٤). وفسَّرها ابنُ الأثير في كتاب "المثل السائر" بما يشمل التعقيدَ اللفظي، والتعقيدَ المعنوي، والتنافرَ، وتكرارَ العوامل،


(١) عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سابق بين الخيل التي أُضْمرت: منَ الحَفْيَاء، وأمَدُها ثَنيَّةُ الوداع، وسابق بين الخيل التي لم تُضمَرْ من الثنية إلى مسجد بني زُريق، وأن عبد الله بن عمر كان فيمن سابق بها". صحيح البخاري، "كتاب الصلاة"، الحديث ٤٢٠، ص ٧٣؛ "كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة"، الحديث ٧٣٣٦، ص ١٢٦٢؛ صحيح مسلم، "كتاب الإمارة"، الحديث ١٨٧٠، ص ٧٤٨؛ سُنَنُ أبي دَاوُد، "كتاب الجهاد"، الحديث ٢٥٧٥، ص ٤١١؛ سنن النسائي، "كتاب الخيل"، الحديث ٣٥٨٣، ص ٥٨٧. ومعنى أُضمرت، من الإضمار والضمور وهو الهزال، والخيل المضمرة هي التي ذهب رهلُها فقوي لحمها واشتد جريها.
(٢) قدامة بن جعفر: نقد الشعر، ص ١٥١.
(٣) ديوان أبي تمام، ص ٣٥٢. والبيت هو الثاني من قصيدة يرثي فيها بني حميد.
(٤) الآمدي: الموازنة، ج ١، ص ٢٩٣ - ٢٩٥. قال الآمدي في تفسير المعاظلة: "إن من المعاظلة التي قد لخصت معناها في الكتاب على قدامة (يعني الكتاب الذي صنفه في الرد على "نقد الشعر" لقدامة) شدة تعليق الشاعر ألفاظ البيت بعضها ببعض، وأن يداخل لفظة من أجل لفظة تشبهها =

<<  <  ج: ص:  >  >>