للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِذَا غَيَّرَ النَّأْيُ المُحِبِّينَ لَمْ يَكَدْ ... رَسِيسُ الهَوَى مِنْ حُبِّ مَيَّةَ يَبْرَحُ (١)

"وهذا يَبِينُ لمَنْ رجع إلى دواوينهم، فقابل ما في اختياره بها. ولو أن نقدَ الشعر كان يُدرَك بقوله، لكان مَنْ يقول الشعر من العلماء أشعرَ الناس. ويكشف هذا أنه قد يُمَيِّز الشعرَ مَنْ لا يقوله، ويقول الشعرَ الجيد مَنْ لا يعرف نقدَه. على ذلك كان البحتري؛ لأنه فيما حُكِيَ عنه كان لا يعجب من الشعر إلا بما يوافق طبعَه ومعناه ولفظَه" (٢)،

قال في دلائل الإعجاز: " [ومن ذلك ما رُوي عن البحتري: ] روي أن عبيد الله بن عبد الله بن طاهر سأله عن مسلم بن الوليد وأبي نواس: أيُّهما أشعر؟ فقال: أبو نواس. فقال: إن أبا العباس ثعلبًا لا يوافقك على هذا. فقال: ليس هذا مِنْ شأن ثعلب وذويه من المتعاطين لِعِلم الشعر دون عَمَله، إنما يعلم ذلك مَنْ دُفِع في مسْلك طريق الشعر إلى مضايِقِه وانتهى إلى ضروراته". (٣)

"وحكى الصوليُّ أنه سمع المبرَّد يقول: سمعتُ الحسنَ بن رجاء يقول: ما رأيت أحدًا قط أعلمَ بجيِّدِ الشعر قديمه وحديثه من أبي تمام. وحُكِيَ عنه أنه مر بشعر ابن أبي عيينة فيما كان يختاره من شعر المحدثين، فقال: وهذا كله مختار. هذا وشعرُه أبعدُ الأشياء من شعره، وهذا واضح" (٤)،


= يفعل، إن ذلك من قبيل القلب الشائع. وعندي أن الحق هو المذهب الثاني، وهو أن نفيها في معنى الإثبات؛ وذلك لأنهم لما وجدوها في حالة الإثبات مفيدةً معنى النفي جعلوا نفيَها بالعكس، كما فعلوا في لو ولولا. ويشهد لذلك مواضعُ استعمال نفيها؛ فإنك تجد جميعها بمعنى مقاربة النفي لا نفي المقاربة، ولعل ذلك من قبيل القلب المطرد، فيكون قولهم ما كاد يفعل ولم يكد يفعل بمعنى كاد ما يفعل. ولا يبعد أن يكون هذا الاستعمال من بقايا لغة قديمة من العربية تجعل حرفَ النفي الذي حقُّه التأخير مقدما". ابن عاشور: تفسير التحرير والتنوير، ج ١، ص ٥٥٧ - ٥٥٩.
(١) انظر كلام المصنف على هذا الأمر في "قراطيس من نقد الشعر" (رقم ٤) فيما يأتي من هذا القسم.
(٢) نشرة هارون، ج ١، ص ١٤.
(٣) الجرجاني: كتاب دلائل الإعجاز، ص ٢٥٢ - ٢٥٣.
(٤) نشرة هارون، ج ١، ص ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>