فغيره:"ولم أكُ آيبًا"، مراعاةً لكون "ما كدت" يقتضي أنه بظاهره نفى اقترابَ إيابه، مع أنه قد آب. وفي داعي تغييره نظرٌ يُعلم من قوله تعالى: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (٧١)} [البقرة: ٧١](١)، ومن قصة ذي الرمة مع خلف الأحمر حين أنشده قوله:
(١) قال المرزوقي عند شرحه بيت تأبط شرًّا الذي ذكره المصنف: "ولا أدري لم اختار هذه الرواية؟ [يعني "ولم أكُ آيبًا"، عوض "وَمَا كِدْتُ آيِبًا"] ألأن فيها ما هو مرفوضٌ في الاستعمال شاذ، أم لأنه غلب في نفسه أن الشاعر كذا قاله في الأصل؟ وكلاهما لا يوجب الاختيار. على أني قد نظرت فوجدت أبا تمام قد غير كثيرًا من ألفاظ البيوت التي اشتمل عليها هذا الكتاب، ولعله لو أنشر الله الشعراء الذين قالوها لتبعوه وسلموا له". المرزوقي: شرح ديوان الحماسة، ج ١، ص ٨٣ - ٨٤ (وراجع ما نقله من كلام أبي الفضل ابن العميد بشأن صنيع أبي تمام وتعليقه على تغيير بيت الربيع، ج ٣، ص ٩٩٦). وأما دلالة استعمال "وما كاد"، فقد بينها المصنف أثناء تفسير الآية حيث قال: "فالوجه القالع للإشكال هو أن أئمة العربية فد اختلفوا في مفاد كاد المنفية في نحو ما كاد يفعل. فذهب قوم - منهم الزجاجي - إلى أن نفيها يدل على نفي مقاربة الفعل، وهو دليل على انتفاء وقوع الفعل بالأولى، فيكون إثبات كاد نفيًا لوقوع الخبر الذي في قولك كاد يقوم، أي قارب، فإنه لا يقال إلا إذا قارب ولم يفعل، ونفيها نفيًا للفعل بطريق فحوى الخطاب، فهو كالمنطوق. وأن ما ورد مما يوهم خلاف ذلك مؤول بأنه باعتبار وقتين، فيكون بمنزلة كلامين ومنه قوله تعالى: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (٧١)} في هذه الآية، أي فذبحوها الآن وما كادوا يفعلون قبل ذلك. ولعلهم يجعلون الجمع بين خبرين متنافيين في الصورة قرينةً على قصد زمانين، وإلى هذا ذهب ابن مالك في الكافية. . . وهذا المذهبُ وقوفٌ مع قياس الوضع. وذهب قوم إلى أن إثبات كاد يستلزم نفي الخبر على الوجه الذي قررناه في تقرير المذهب الأول، وأن نفيها يصير إثباتًا على خلاف القياس. . . وذهب قوم - منهم أبو الفتح بن جني وعبد القاهر وابن مالك في التسهيل - إلى أن أصل كاد أن يكون نفيها لنفي الفعل بالأولى، كما قال الجمهور، إلا أنها قد يستعمل نفيها للدلالة على وقوع الفعل بعد بطء وجهد، وبعد أن كان بعيدًا في الظن أن يقع. وأشار عبد القاهر إلى أن ذلك استعمالٌ جرى في العرف، وهو يريد بذلك أنها مجازٌ تمثيلي بأن تشبه حالةَ مَنْ فعل الأمر بعد عناء بحالة من بعد عن الفعل، فاستعمل المركب الدال على حالة المشبه به في حالة المشبه. ولعلهم يجعلون نحو قوله فذبحوها قرينة على هذا القصد. . . وذهب قوم إلى أن كاد إن نُفيت بصيغة المضارع فهي لنفي المقاربة، وإن نفيت بصيغة الماضي فهي للإثبات. وشبهته أن جاءت كذلك في الآيتين: {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [و] {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (٧١)}، وأن نفيَ الفعل الماضي لا يستلزم الاستمرارَ إلى زمن الحال، بخلاف نفي المضارع. وزعم بعضُهم أن قولهم ما كاد يفعل وهم يريدون أنه كاد ما =