للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"حتى إنك تراه ينتهي إلى البيت الجيد فيه لفظةُ تُشينه فيجبر نقيصتَه من عنده، ويبدل الكلمةَ بأختها في نقده" (١)،

إنما حدَا أبا تمام إلى ذلك، أنه لما قصد إلى اختيار ما يختار من الشعر لم يقصد صحةَ رواية أشعارهم؛ لأنها كانت مجموعةً مروية، وإنما أراد تقريبَ المختار منها إلى أذواق الناشئين في صناعة الشعر، لتكون لهم مثالًا تحتذيه أذواقُهم، ومنوالًا تُنْسجُ عليه أشعارُهم. ومع هذا فإنه لا يصير إلى هذا التغيير إلا نادرًا عند الاقتضاء، فقد عمد إلى قول الربيع بن زياد في رثاء مالك بن زهير (٢):

مَنْ كَانَ مَسْرُورًا بِمَقْتَلِ مَالِكٍ ... فَلْيَأْتِ نِسْوَتَنَا بِوَجْهِ نَهَارِ (٣)

فغيَّره، وجعله: "فَلْيَأْتِ سَاحَتَنَا"، وحمله على ذلك كراهيةُ تعليق فعل الإتيان بالنسوة. وكذلك عمد إلى قول تأبط شرًّا:

وَأُبْتُ إِلَى فَهْمٍ وَمَا كِدْتُ آيِبًا ... وَكَمْ مِثْلُهَا فَارَقْتُهَا وَهْيَ تُصْفِرُ (٤)


(١) المصدر نفسه، ص ١٤.
(٢) الربيع هو الربيع بن زياد بن عبد الله بن سفيان العبسي، أحد دهاة العرب ورؤسائهم وشجعانهم في الجاهلية. كان يقال له "الكامل"، توفي نحو سنة ٣٠ قبل الهجرة. (انظر ترجمته في: الأغاني، ج ٦/ ١٧، ص ٤٠٤ - ٤٠٩ [نشرة الحسين]). أما مالك بن زهير فهو أحد أعيان العرب وفرسانهم في الجاهلية، قتل في بعض وقائع داحس والغبراء، قتله بنو بدر. وقد رثاه عنترة بن شداد في قصيدة طويلة من بحر الطويل، يقول في طالعها:
لله عَيْنًا مَنْ رَأَى مِثْلَ مَالِكٍ ... عَقِيرَةَ قَوْمٍ إِنْ جَرَى فُرْسَانُ
ابن الأثير: الكامل في التاريخ، ج ١، ص ٤٥٤ - ٤٥٥.
(٣) والبيت هو السابع من قطعة في عشرة أبيات، وجاء بعده:
يَجِدِ النِّسَاءَ حَوَاسِرًا يَنْدُبْنَهُ ... قَدْ قُمْنَ قَبْلَ تَبَلُّجِ الأَسْحَارِ
المرزوقي: شرح ديوان الحماسة، ج ٣، ص ٩٩٥.
(٤) البيت هو التاسع في قصيدة من عشرة أبيات، طالعها:
إِذَا المَرْءُ لَمْ يَحْتَلْ وَقَدْ جَدَّ جِدُّهُ ... أَضَاعَ وَقَاسَى أَمْرَهُ وَهْوَ مُدْبِرُ
وفي مناسبتها قصة فراجعها. ديوان تأبط شرًّا، نشرة بعناية، ص ٣١. وفيه "فأُبت"، بالفاء لا الواو.

<<  <  ج: ص:  >  >>