للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"وإنما قلنا: على تخير من لذيذ الوزن؛ لأنَّ لذيذَه يَطرب الطبع لإيقاعه، ويمازجه بصفائه، كما يَطْرَبُ الفهمُ لصواب تركيبه، واعتدال نظومه. ولذلك قال حسان:

تَغَنَّ فِي كُلِّ شِعْرٍ أَنْتَ قَائِلُهُ ... إِنَّ الغِنَاءَ لهِذَا الشِّعْرِ مِضْمَارُ" (١)

ساق بيتَ حسان حجةً على أن ميزان الشعر من نوع الموسيقى، فأوزانُ الشعر وضروبُه تتفاضل بمقدار شدة تناسبِ الحركات والسكنات، كما هو شأنُ الموسيقى. فحسان يرشد الشاعرَ إلى اختبار استقامة ميزانه، بأن ينشد أبياتَه بالترنم كالغناء، ليستبين له مستقيمُ الوزن. فإنه إذا أنشده فلم يتعثرْ لسانُه في تساوي أجزائه، علم استقامتَها، وإلا شعر باختلالٍ فأصلحه بمقدار ما تحصل به المساواة. وذلك أنهم لم تكن عندهم قواعدُ العروض، وإنما كانوا يُدركون الميزانَ بالسليقة. و"المضمار" المسافة التي تُحدَّدُ للسباق بين الخيل. والمعنى أن الغناء تظهر به خصالُ الشعر، كما تظهر بالمضمار خصالُ خيل الحلبة.

"وعيارُ الاستعارة الذهنُ والفطنة، ومِلَاكُ الأمر تقريبُ التشبيه في الأصل حتى يتناسبَ المشبَّهُ والمشبَّهُ به، ثم يُكْتَفَى فيه بالاسم المستعار؛ لأنه المنقولُ عما كان له في الوضع إلى المستعار له" (٢)،


(١) نشرة هارون، ج ١، ص ١٠. وانظر البيت في: ديوان حسان بن ثابت، ج ١، ص ٤٢٠. وللبيت ثان هو قوله:
يَمِيزُ مُكْفَأَهُ عَنْهُ وَيَعْزِلُهُ ... كَمَا تَمِيزُ خَبيثَ الفِضَّةِ النَّارُ
والمناسبة - كما ذكر المرزباني عن مصادره - هي أن العرب كانت "تُغنِّي النَّصب [يعني تمام البناء في القافية وسلامتها من الفساد]، وتمد أصواتَها بالنشيد، وتزن الشعر بالغناء"، فأنشد حسان بن ثابت في ذلك ما أنشد. الموشح، ص ٥٢ - ٥٣.
(٢) نشرة هارون، ج ١، ص ١٠ - ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>