للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ابن حجر الهيتمي، وبعض أهل العلم (١).

واستدلوا بالقياس، فالمسافة بين يَلَمْلَم ومكة تساوي المسافة من جدة إلى مكة.

واعتُرض عليه بأن هذا القياس لا يصح؛ لأن المسافة من مكة إلى يَلَمْلَم أبعد من المسافة التي بين جدة ومكة. ولو صح فليس بدليل؛ لأنه ليس بُعد مسافات جميع المواقيت واحدًا. ولو صح هذا القياس، فلا قياس مع النص، والمواقيت توقيفية (٢).

القول الثالث: أن جدة ميقات مكاني لمن وصل إليها بطريق الجو أو البحر (٣).

واستدلوا بأن النبي عَيَّن المواقيت المذكورة؛ لأنها كانت طريق الحُجاج القادمين من جهات شتى، ولو كان الرسول حيًّا لجَعَل جدة ميقاتًا لكثرة القادمين إليها.

ونوقش بأن هذه المواقيت محيطة بالحَرَم، وكان الناس في عهده يَسلكون طريق البحر بالسفن، فدل على أن ذلك يشمل كل مَنْ مر بها أو حاذاها، بَرًّا كان أو بحرًا أو جوًّا. ولو كان هناك ميقات آخَر كجدة، لبَيَّنه النبي إذ لم يَمُت حتى اكتمل الدين.

واستدلوا بأن عمر لما رأى مشقة ذَهاب أهل العراق إلى قَرْن المنازل، حَدَّد (ذات عِرق) وكذلك الآن، لو رأى عمر جدة وقد صارت طريقًا لركاب الجو والبحر، لجَعَلها ميقاتًا مكانيًّا.

واعتُرض عليه بأن عمر لم يُحْدِث ميقاتًا جديدًا، بل إن قوله بيان للمحاذاة ولذا قال: «انظروا حذوها من طريقكم. فحَدَّ لهم ذات عِرق» وهذا يدل على أنه لا يَجوز لمن حاذى ميقاتًا - جوًّا أو برًّا أو بحرًا- أن يتجاوزه من غير إحرام.

ثم ما المشقة في الاستعداد للإحرام قبل الإقلاع، بلُبس الإحرام قبل ركوب الطائرة في المطار، مع ما حصل في عصرنا من ضبط دقيق لأماكن المواقيت ومواضع محاذاتها،


(١) «تحفة المحتاج» (٤/ ٤٥)، و «إعانة الطالبين» (٢/ ٥٠٥).
(٢) وجاء في «فتاوى اللجنة الدائمة» (١١/ ١٢٦): أما جدة فهي ميقات لأهل جدة وللمقيمين بها، إذا أرادوا حجًّا أو عمرة. وأما جَعْل جدة ميقاتًا بدلًا من يَلَمْلَم، فلا أصل له، فمَن مر على يلملم وتَرَك الإحرام منه، وأَحْرَم من جدة، وجب عليه دم.
(٣) ومِن أَشْهَر مَنْ قال بهذا القول: ابن عاشور من تونس، ومصطفى الزرقا، وعبد الله بن زيد آل محمود، وعبد الله الأنصاري، وعدنان عرعور. «النوازل في الحج» (ص: ١٢٤).

<<  <   >  >>