على ذلك، فإن أهمَّ الأَعمالِ وآكدها وأعظَمها نفعًا له وصلاحًا لدينه في الدُّنيا والأُخرة سعيُهُ في تفريغ ذِمَّتِهِ وتخليصِهَا إن كان ناصحًا لنفسه راحمًا لها، فإنَّه ما لَقِيَ العَبْدُ رَبَّهُ بِذَنْبٍ أَعْظَمُ من أن يلقاه بشيءٍ من حُقُوقِ العباد، وليس ثَمَّ دِرْهَم ولا دينارٌ يوفي منه.
وليس صاحِبُ الحَقِّ في ذلك الوقت أَهْلًا لأَن يَسْمَح أو يَعْفو لأَن كل أحد حينئذٍ لا يهمُّه إلَّا نفسُهُ، ولا يخطُرُ ببالِهِ إلَّا طَلَبُ نجاة نفسِهِ، فَيَودُّ أن يكون له حَقّ على أبيه وأخيهِ وصديقِهِ وغيرهم حَتَّى يتمسَّكَ به، ويُطالبَ ويشُحَّ به على من هو عنده بحيث لايسمحُ عن مقدارِ خردلةٍ منه، لأَن المرء حينئذ يفرُّ {يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: ٣٤ - ٣٧] الآيات، فيؤخَذُ حينئذٍ من حسنات من عليه الحَقُّ إن كان له حسناتٌ ويوفى منها حُقُوقُ العِبَاد، فإن لم تُوفِّ أُخِذَ من سيئاتِ أصْحَابِ الحقوق وطُرِحَتْ على سيئاتِهِ فَتعظُم سيئاتُهُ وليسَ عِندَهُ شيءٌ من الحَسَناتِ، فهنالكَ تتضاعف الحسرات، وتَتَساكبُ العبرات ويندَمُ حين لا ينفع النَّدم، وتَزِلُّ به والعياذ بالله القَدَم، وَيَظْهَرُ لَهُ الحَقُّ اليقين، ولا يفيده حينئذٍ توبة ولا يَصِحُّ منه عَمَلٌ، أَلا ذَلِكَ هو الخُسرانُ المبين، فيكون ممن ضل سعيُهُ في الحياة الدُّنيا وهم يحسبون أنهم يُحْسنون صُنْعًا.
وَلْيَلْجإِ العبدُ إِلى الله جلَّ اسمُهُ فيما عَسُرَ عليه من انقياد نفسِهِ