للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واعترض عليه بأن هذا الحديث باطل.

الدليل الرابع: عَنْ يَحْيَى أَنَّهُ اعْتَمَرَ مَعَ عُمَرَ فِي رَكْبٍ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَأَنَّ عُمَرَ عَرَّسَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَرِيبًا مِنْ بَعْضِ الْمِيَاهِ، فَاحْتَلَمَ عُمَرُ وَقَدْ كَادَ أَنْ يُصْبِحَ، فَلَمْ يَجِدْ مَعَ الرَّكْبِ مَاءً، فَرَكِبَ، حَتَّى جَاءَ الْمَاءَ، فَجَعَلَ يَغْسِلُ مَا رَأَى مِنْ الاِحْتِلَامِ حَتَّى أَسْفَرَ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: قد أَصْبَحْتَ وَمَعَك ثِيَابٌ، فَدَعْ ثَوْبَكَ يُغْسَلُ. فَقَالَ عُمَرُ: وَاعَجَبًاه لَكَ يَا بْنَ الْعَاصِ، إنْ كُنْتَ تَجِدُ ثِيَابًا أَفَكُلُّ النَّاسِ يَجِدُ ثِيَابًا؟ فوَالله لَوْ فَعَلْتُهَا لَكَانَ سُنَّةً، أَغْسِلُ مَا رَأَيْتُ، وَأَنْضِحُ مَا لَمْ أَرَ (١).

قال الباجي: وَقَوْلُهُ: (فَجَعَلَ يَغْسِلُ مَا رَأَى مِنَ الِاحْتِلَامِ حَتَّى أَسْفَرَ) يُرِيدُ أَنَّهُ تَتَبَّعَ مَا كَانَ فِي ثَوْبِهِ مِنْ الْمَنِيِّ حَتَّى أَسْفَرَ الصُّبْحُ رَأَى أَنَّ تَطْهِيرَ ثَوْبِهِ الَّذِي هُوَ فَرْضٌ أَوْلَى مِنْ مُبَادَرَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَنِيِّ لِأَنَّ اشْتِغَالَهُ بِهِ وَتَتَبُّعَهُ لَهُ حَتَّى ذَهَبَ أَكْثَرُ الْوَقْتِ وَخِيفَ عَلَيْهِ مِنْ ضِيقِهِ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ التَّأْخِيرَ وَأَمَرَهُ بِاسْتِبْدَالِ ثَوْبٍ - دَلِيلٌ عَلَى نَجَاسَةِ الثَّوْبِ عِنْدَهُمْ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ نَجِسًا عِنْدَهُمْ لَمَا اشْتَغَلَ عُمَرُ بِغُسْلِهِ. وَلَوْ اشْتَغَلَ بِهِ لَقِيلَ لَهُ: تَشْتَغِلُ عَنْ الصَّلَاةِ بِإِزَالَةِ مَا لَمْ تَلْزَمْ إزَالَتُهُ (٢).

واعترض عليه بأن إسناده منقطع، فيحيى بن عبد الرحمن لم يدرك عمر.

الدليل الخامس: واستدلوا بأن النبي قال لعائشة : «إذا وجدتِ المني رطبًا فاغسليه، وإذا وجدته يابسًا فحُكيه» (٣).


(١) أخرجه مالك «الموطأ» (١/ ٥٠)، قال النووي «المجموع» (١/ ٢٢٦): يَحْيَى وَإِنْ كَانَ ثِقَةً فَلَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ، بَلْ وُلِدَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ، قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: يَحْيَى ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْ عُمَرَ بَاطِلٌ. وَكَذَا قَالَهُ غَيْرُ ابْنِ مَعِينٍ.
(٢) «المنتقى» (١/ ١٠٣).
(٣) لم أقف عليه مسندًا، قال الحافظ: «الدراية في تخريج الهداية» (١/ ٩١): لم أجده بهذه السياقة.

<<  <   >  >>