للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واعترض عليه بأنه اختلف على الصحابة: فعَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: " رَأَيْتُ خَمْسَةً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ يَقُمُّونَ شَوَارِبَهُمْ وَيُعْفُونَ لِحَاهُمْ وَيَصُرُّونَهَا: أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ، وَالْحَجَّاجَ بْنَ عَامِرٍ الثُّمَالِيَّ، وَالْمِقْدَامَ بْنَ مَعْدِيكَرِبَ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ بُسْرٍ الْمَازِنِيَّ، وَعُتْبَةَ بْنَ عَبْدٍ السُّلَمِيَّ، كَانُوا يَقُمُّونَ مَعَ طَرَفِ الشَّفَةِ (١).

واستدلوا بالقياس على الحج فكما أن الحلق أفضل من التقصير في الحج، فكذا حلق الشارب أفضل من قصه (٢).

واعترض عليه بأن أكثر الأحاديث صريحة في قص الشارب وإن كان في بعض الأحاديث بالإحفاء ولا قياس مع النص.

القول الثالث: ذهب الطبري إلى أنه يخير بين الأمرين (القص، والإحفاء) للجمع بين الأدلة فقد دلت السنة على الأمرين ولا تعارض، فإن القص يدل على أخذ البعض، والإحفاء يدل على أخذ الكل، وكلاهما ثابت فيتخير فيما شاء.

واعترض عليه بما قاله ابن عبد البر: الإحفاء محتمل لأخذ الكل، والقص مفسر المراد، والمفسر مقدم على المجمل (٣).

وأجيب عنه، بأن لو سلمنا في لفظة «أحفوا» فماذا نفعل في لفظة «انهكوا»، ولفظة «جزوا» كل هذا في الصحاح. فدل ذلك علي ثبوت الأمرين، وإن كان كلاهما جائزًا وإن كان أحاديث القص أكثر وأصح، فالأفضل القص، والحلق جائز.

قال النووي: وَالْمُخْتَارُ فِي الشَّارِبِ تَرْكُ الِاسْتِئْصَالِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى مَا يَبْدُو بِهِ طَرَفُ الشَّفَةِ (٤).


(١) أخرجه البيهقي (السنن الكبرى) (١/ ١٥١) وإسناده حسن. وفي إسناده إسماعيل بن عياش صدوق في روايته عن أهل الشام وشرحبيل شامي فيكون حسنًا، والله أعلم.
(٢) شرح معاني الآثار (٤/ ٢٣١).
(٣) فتح الباري (١٠/ ٣٥٩).
(٤) قال النووي: «شرح مسلم» (٣/ ٤٩٨): قال القاضي: وَأَمَّا الشَّارِبُ فَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَى اسْتِئْصَالِهِ وَحَلْقِهِ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ أَحْفُوا وَانْهَكُوا وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ، وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إِلَى مَنْعِ الْحَلْقِ وَالِاسْتِئْصَالِ وَقَالَهُ مَالِكٌ وَكَانَ يَرَى حَلْقَهُ مُثْلَةً وَيَأْمُرُ بِأَدَبِ فَاعِلِهِ، وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ أَعْلَاهُ، وَيَذْهَبُ هَؤُلَاءِ إِلَى أَنَّ الْإِحْفَاءَ وَالْجَزَّ وَالْقَصَّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الْأَخْذُ مِنْهُ حَتَّى يَبْدُوَ طَرَفُ الشَّفَةِ، وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ.

<<  <   >  >>