= بأولية، وكذلك العلم بصدق خبر التواتر". فخبر التواتر عند الغزالي ضروري ليس بأولي، ضروري لأننا مضطرون إلى تصديقه، وليس بأولي؛ لأنه حاصل بالواسطة. فالضروري عند الغزالي هو ما نجد أنفسنا مضطرين إليه سواء كان أوليًا أو ليس بأولي، ولذلك قال التفتازاني في حاشيته على العضد ٢/ ٥٣: "حاصل كلامه أنه ليس أوليًا ولا كسبيًا، بل من القضايا التي قياساتها معها، مثل: قولنا: العشرة نصف العشرين. . ."، وهذا هو عين كلام الغزالي؛ إذ إنه لا يعني بالضروري الأولي، وليس هو كسبيًا يحتاج إلى تأمل الوسائط، بل تضطر النفس إليه مع حضور الوسائط في الذهن. فتكون الأقسام - كما هو مقتضى كلام الغزالي - ثلاثة: ضروري أولي، ضروري ليس بأولي، كسبي. وينبغي أن يلاحظ أن رأي الغزالي - رحمه الله - هو رأي الجمهور، لكن الذي يخالف فيه الغزالي غيرَه من الجمهور هو أمرٌ اصطلاحي، لا علاقة له بمحل النزاع في المسألة، إذ يقول: بأن الضروري يطلق على الأوَّلي الذي لا وسائط فيه أصلًا، وهذا لا ينطبق على المتواتر. ويطلق الضروري على ما نضطر إليه بغير استدلال، وهذا ينطبق على المتواتر. ومحل النزاع في هذه المسألة هو هل هذا العلم حاصل بالاستدلال أو لا؟ وعليه فخلاف الغزالي للجمهور إنما من جهة الاصطلاح في معنى الضروري، لا من جهة أن العلم الحاصل بالمتواتر حاصل بالاستدلال أوْ لا. وقد أقر صاحب فواتح الرحموت (٢/ ١٤٤) بأن الضروري قسمان، وأن الظاهر أن الجمهور أرادوا بالضروري مطلق الضروري، وقد تابعه على هذا التقسيم المطيعي فقال في سلم الوصول ٣/ ٧٢: "اعلم أن الضروري قسمان: قسم من قبيل القضايا التي قياساتها معها، مثل: قولنا: العشرة نصف العشرين، ومع ذلك لا يحتاج إلى الشعور بتوسط واسطة مفضية إليه، مع أنها حاضرة في الذهن، فيحصل أولًا ثم يلتفت الذهن إلى تلك الواسطة، وقد لا يلتفت إليها. ومن هذا القسم العلم الناشئ من المتواتر. وقسم لا واسطة له أصلًا، كقولنا: الموجود لا يكون معدومًا. وإنما كان المتواتر من الأول؛ لأنه لا بد فيه من حصول مقدمتين. . . . والحاصل أن العلم فيه حاصل بخلق الله تعالى بطريق العادة، لا بتوسط المقدمتين وإن كانتا موجودتين"، ثم جزم بعد هذا بأن مراد الجمهور بالضروري مطلق الضروري.