للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

اعتقاد الصدق علة لكون الثانى غير الصدق، واعترض بأنه لا يلزم من عدم اعتقاد الصدق الذى قاله المصنف عدم الصدق فى الواقع لجواز أن يثبت الصدق مع عدم اعتقاد الصدق، ألا ترى أن الكفار لا يعتقدون صدق النبى وهو صادق فى نفس الأمر، وحينئذ فلا يتم هذا التعليل، وحاصل الرد عليه أن هذا الاعتراض لا يتوجه على المصنف إلا لو كان جعل قوله لأنهم لم يعتقدوه: علة لعدم الصدق أى: لكون الثانى غير الصدق، والمصنف إنما جعله علة لعدم إرادتهم بالثانى الصدق، والحاصل أن الاعتراض مبنى على أن المعلل عدم الصدق، ونحن نجعل المعلل عدم إرادة الصدق، ولا شك أنه يلزم من عدم اعتقاد الصدق عدم إرادة الصدق؛ فتم التعليل. أفاد ذلك شيخنا العلامة العدوى، فثبت أن من الخبر ما ليس بصادق ولا كاذب.

وأجيب عنه بأن الافتراء هو الكذب عن عمد فهو نوع من الكذب، فلا يمتنع أن يكون الإخبار حال الجنون كذبا أيضا لجواز أن يكون نوعا آخر من الكذب وهو الكذب لا عن عمد، فيكون التقسيم للخبر الكاذب لا للخبر مطلقا، والمعنى أفترى أو لم يفتر، وعبر عن الثانى بقوله: أم به جنة؛ لأن المجنون لا افتراء له.

تنبيه آخر: وهو مما يجب أن يكون على ذكر الطالب لهذا العلم قال السكاكى (١): ليس من الواجب فى صناعة وإن كان المرجع فى أصولها وتفاريعها إلى مجرد العقل أن يكون الدخيل فيها كالناشئ عليها فى استفادة الذوق منها، فكيف إذا كانت الصناعة مستندة إلى تحكمات وضعية واعتبارات إلفية؟ فلا على الدخيل فى صناعة علم المعانى أن يقلد صاحبه فى بعض فتاواه إن فاته الذوق هناك إلى أن يتكامل له على مهل موجبات ذلك الذوق، وكثيرا ما يشير الشيخ عبد القاهر فى دلائل الإعجاز (٢) إلى هذا كما ذكر فى موضع ما تلخيصه هذا.


(١) المفتاح ص ٩٠.
(٢) دلائل الإعجاز ص ١٩٠، ١٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>