للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنه لم يجعله دليلا على عدم الصدق بل على عدم إرادة الصدق؛ فليتأمل (ورد) هذا الاستدلال (بأن المعنى) أى: معنى أَمْ بِهِ جِنَّةٌ (أم لم يفتر ...

===

اعلم أنه لا يصادف القول فى هذا الباب موقعا من السامع ولا يجد لديه قبولا حتى يكون من أهل الذوق والمعرفة ومن تحدثه نفسه بأن (لما) تومئ إليه من الحسن أصلا، فيختلف الحال عليه عند تأمل الكلام فيجد أريحية تارة ويعرى منها أخرى، وإذا عجبته تعجب وإذا نبهته لموضع المزية انتبه، فأما من كانت الحالات عنده على سواء وكان لا يتفقد من أمر النظم إلا الصحة المطلقة، وإلا إعرابا ظاهرا، فليكن عندك بمنزلة من عدم الطبع الذى يدرك به وزن الشعر، ويميز به مزاحفه من سالمه، فى أنك لا تتصدى لتعريفه لعلمك أنه قد عدم الأداة التى بها يعرف.

واعلم أن هؤلاء وإن كانوا هم الآفة العظمى فى هذا الباب، فإن من الآفة أيضا من زعم أنه لا سبيل إلى معرفة العلة فى شىء مما تعرفه المزية فيه، ولا يعلم إلا أن له موقعا من النفس وحظا من القبول، فهذا بتوانيه فى حكم القائل الأول.

واعلم أنه ليس إذا لم يمكن معرفة الكل وجب ترك النظر فى الكل؛ ولأن تعرف العلة فى بعض الصور فتجعله شاهدا فى غيره أحرى من أن تسد باب المعرفة على نفسك وتعودها الكسل والهوينا.

قال الجاحظ: وكلام كثير جرى على ألسنة الناس وله مضرة.

(قوله: لأنه) أى: المصنف لم يجعله أى: لم يجعل قوله: لأنهم لم يعتقدوه دليلا على عدم الصدق أى: كما فهم المعترض

(قوله: فليتأمل) أمر بالتأمل للإشارة إلى أنه يمكن أن يقال: إن عدم الاعتقاد أى: الجزم لا يستلزم عدم الإرادة؛ لأن الشاك المتردد ليس عنده اعتقاد وجزم وعنده إرادة للأمر المشكوك فيه للتردد بينه وبين غيره، وحينئذ فلا يصح جعل عدم اعتقاد الصدق دليلا لعدم الإرادة، والجواب أن المراد بقوله؛ لأنهم لم يعتقدوه: نفى اعتقادهم صدقة من حيث ذاته وإمكانه، والشاك معتقد لإمكان الشىء وإن كان غير معتقد له من حيث ذاته.

(قوله: ورد) حاصله على ما يشير إليه الشارح، منع أن المراد بالثانى غير الكذب، ومنع أنه قسيم للكذب، وبيانه أنا نختار أن المراد بالثانى الكذب، وقوله أنه

<<  <  ج: ص:  >  >>