بقاء الحالة القديمة على حالها من ضيق الحارات والشوارع واعوجاجها إذ كان الازدحام بها يترتب عليه النصب والعطب والخطر والضرر، فصدرت الأوامر الخديوية لديوان الأشغال ونحن به بالنظر فى ذلك، وأن يعمل له قانون يأتى على المرام.
وكان قبل ذلك رسم القاهرة محوّلا على فرقة من المهندسين، تحت رياسة المرحوم محمود باشا الفلكى فرسموها على ما كانت عليه، وبناء على هذا الرسم كتبت الإشارة فوقه بعمل هذه التنظيمات الموجودة بالمدينة المشاهدة الآن مثل شارع محمد على وميدانه، وشوارع الأزبكية وميدانها، وما بعابدين من الشوارع ونحوها، وباب اللوق وغير ذلك مما هو بداخل المدينة وخارجها، وجرى العمل على ذلك فظهرت كل هذه المبانى الحسنة والشوارع المستقيمة المتسعة المحفوفة بالأشجار الخضرة النضرة المستوجبة للقادمين على المدينة انشراح الصدور والفرح والسرور، وأزيل ما كان بجهتها البحرية من التلال التى كانت تمتد من جهة الفجالة إلى قرب باب الفتوح، تم تبرع الخديوى إسماعيل باشا على الراغبين بمواضع كثيرة. فأنشؤا بها المبانى المشيدة والبساتين العديدة. وناهيك بقصور الإسماعيلية ودورها وبساتينها وشوارعها التى يكل الوصف عن محاسن بهجتها وأحاسن نورقها ونضرتها، وقد كانت أراضيها بين خلوات متسعة، وتلال مرتفعة، وبرك منخفضة، وغابات معترضة، ولم يكن بها صالح للزرع ومأهول بالناس إلا القليل، فأنعم بها الخديوى بلا مقابل رغبة فى العمارة والنظافة وحسن الهيئة، فكم زال بذلك عفونات وقاذورات، ومشاق وصعوبات، وزاد فى بهجة المدينة واكتسابها نورا على نور ما أحدثته شركة من الافرنج باذن من الخديو من نشر غاز التنوير بها فى سائر شوارعها وضواحيها، حتى ذهبت غياهب ظلامها والتحقت لياليها بأيامها.
ثم لأجل زيادة الأمن والتسهيل على الخاص والعام. صدر أمره بعمل القناطر الحديد، المعروفة بالكبرى، بين قصر النيل والجزيرة على هذا الوجه البديع، وعملت السكك المنتظمة فى بر الجيزة، وحفت بالأشجار وفرشت بالأحجار الدقيقة المختلطة بالرمل لمنع الأتربة وتسهيل المرور إلى العمائر والسرايات والبساتين المنشأة هناك التى تجل عن الوصف، كما فعل ذلك فى جميع الشوارع المستجدة بالمدينة وضواحيها بشركة