للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان الديوان لا يتمكن من الحسابات السنوية فبقيت عمارات كثيرة لم ينته الأمر فيها ولا فى حساباتها عدة سنين طويلة، وكان الذى يعمر منها-مع خفة بنائه ورداءة مونته-يحول من أوضاعه الأصلية الحسنة إلى أوضاع سيئة، فكنت ترى الدور المتسعة والمنازل الكبيرة حولت إلى حيشان وربوع يسكنها الكثير من الناس، بحيث تحمل فوق طاقتها لزعم ولاتها أن فى ذلك تكثيرا لريع الوقف، مع أنهم كانوا ما يورثونها إلا التخريب وإضاعة ما بها من نحو الأخشاب، وولاتها غافلون لا يعرفون إلا قبض الأجرة، فكان ما يتلف سنويا من عقارات الأوقاف أكثر مما كان يعمر بأضعاف، وهذا ضرر بين، فحصل الالتفات إلى ذلك وعملت الطرق الموجبة لعمارة الأوقاف وكثرة ريعها وقلة مصرفها على الديوان، فجعل فى أثمان القاهرة مأمورون من المهندسين وكتبة ومعاونون، وصار الجباة تابعين للمأمورين، وشدد عليهم فى الالتفات إلى ما نيط بهم، بحيث أن من فرط فى أمر بجرى عليه ما يستحقه، ففنحوا أعينهم ونصحوا فى سيرهم، خوفا على أنفسهم، فانصلح كثير من الأوقاف وحسنت أحولها.

ثم من أنفع الأعمال فى الأوقاف ما أجرى فيها من إبطال جعل إدارة عمائرها على طرف الديوان، وصارت تعطى بالمقاولة للمقاولين بعد النظر فيها من مأمورى الأثمان وباشمهندس الديوان، وعمل رسوماتها اللازمة وتقدير نفقاتها الموافقة، وجعل لذلك لوائح/واستمارات نشرت بينهم جعلت قدوة لهم فى الأعمال، ثم قسمت أراضى الوقف الواسعة الخربة كالتى فى جهة السيدة زينب وخلافها على الراغبين يبنون فيها منازل وحوانيت وغير ذلك بحكر يقرر عليهم يدفعونه كل سنة للأوقاف، وقرر فى الاستمارة أن الآخذ بالحكر يدفع لخزينة الأوقاف حكر عشر سنين تبرعا منه بحيث لا يحسبها فى المستقبل، ثم يدفع الحكر سنويا، فأنشئ من ذلك مساكن كثيرة كانت مطرحا للزبل والعفونات والأقذار، فبعد أن كانت تجلب المضار للناس صارت نافعة تجلب ريعا كثيرا للوقف وتبدلت سيّآتها حسنات، واستعين بذلك على التنظيم الجارى فى المدن بالأوامر الخديوية لتوسعة الشوارع والحارات وتقويمها، وتجديد ما يلزم منها لتكون شوارع المدينة ومبانيها كافية صالحة لأحوالها الراهنة، من اتساع دائرة التجارة والثروة التى اكتسبها القطر، إذ بذلك كثرت عربات الركوب وعربات البضائع والعمائر، فصار غير لائق بها