أخرى، والمستعمل فى الغرض الأصلى على قلته لا يستوفى فى سيره شروط الواقف وحد اللازم. وساء حال التعليم فى المكاتب الحاصلة، وقل المعلمون والمتعلمون، وصار اجتماع الأطفال والمتعلمين بهذه الأماكن قليل النفع بحيث كاد لا يفيدهم إلا الضياع والأمراض الناشئة عن الوساخة والتفريط، فحصل رجوع كثير من هذه العمائر إلى أصلها المقصود منها والفائدة الموضوعة لها، وانضمت إلى ديوان الأوقاف العمومى لتكون إدارتها تحت نظره مشمولة بمناظرة ديوان المعارف وترتيبه، فتخلص من أطماع النظار، وحصل رم ما احتاج إلى الإصلاح من المدارس، ومن أوقافها التى يأتى منها الريع، وانتزع ما استولت عليه الأيدى من غير استحقاق، فانضبط أمرها وإيرادها فحييت هذه المآثر بعد موتها وعادت ثمراتها بعد فوتها.
ثم إن هذا النظر لم يكن قاصرا على المدارس وأوقافها، بل حصل الالتفات لجميع الأوقاف من التكايا والمساجد وغيرهما بالإصلاح والتجديد، وكان ما بالأقاليم من الأوقاف من أطيان وعقارات على كثرته غير ملتفت إليه، فكان السالم من التلف من الأسبلة ونحوها مستعملا فى غير وجهه تحت أيدى غير مستحقيه، فانتخب لها من طرف الأوقاف مأمورون من المهندسين الذين تعلموا فى المدارس وأرسلوا إلى الأقاليم للنظر فى أمر الأوقاف وضبطها، ومعرفة ريعها وما يلزم من العمارات وتحصيل إيراداتها وملاحظة مصروفاتها، وجعل المندوبون للوجه البحرى تابعين فى إدارتهم لمأمورية طنتدا، والمعينون فى الوجه القبلى يخاطبون من الديوان، فضبطوهما وحرروا جداولها، وفعل بهاما هو الأصلح لها فانتظم سيرها ونما ريعها.
ثم إن الذى كان متبعا فى العمائر بالمدن الكبيرة كالقاهرة والإسكندرية اجراؤها على طرف الديوان، وكان لها معمارية وشغالة وعربات ونحو ذلك بمرتبات جسيمة شهرية، ومصاريف كثيرة تزيد عن قيمة ما يحصل فيها من الإنشاء والعمارة، وفضلا عن عدم الإتقان، وكان يحصل من القائمين بأمرها الإهمال والتفريط فيها، وكان ما يجرى تعميره فى السنة مع عدم إتقانه وكثرة ما يصرف عليه قليلا بالنسبة للمحتاج للعمارة.