وبقى عندى إلى أن اطلع عليه بعض معلمى الرياضة فى المدارس الملكية وغيرها، أيام نظارتى عليها فى مدة الحكومة الخديوية الاسماعيلية، فرغبوا فى طبعه فطبع بمطبعة المدارس وسمى «تذكرة المهندسين»، وكان المباشر لمقابلته وطبعه أولا السيد أحمد أفندى خليل ناظر مدرسة المحاسبة يومئذ، وبعده على أفندى الدرندهلى أحد خوجات المهندسخانة إلى أن أن تم طبعه.
وهكذا كانت جميع أوقاتى مشغولة بأمثال ذلك وببعض مأموريات كانت تحال علىّ ثم لما رام المرحوم سعيد باشا التوجه إلى بلاد أوروبا أمر برفت غالب من كان فى معيته، فكنت فى جملة المرفوتين. وكنت قبل رفتى تزوّجت واشتريت بيتا بدرب الجماميز، وشرعت فى بنائه وتعميره، فكثر علىّ المصرف ولحقنى الدين حتى ضاق ذرعى وتشوش طبعى، وكان يومئذ قد صدر الأمر ببيع بعض أشياء من تعلقات الحكومة زائدة عن الحاجة من عقارات وغيرها، وكان المأمور بذلك المرحوم إسماعيل باشا الفريق وكان لى من المحبين وكنت جاره فى السكنى فاستصحبنى معه إلى بولاق وخلافها من محلات البيع، فلما حضرت المزادات رأيت الأشياء بأبخس الأثمان، ورأيت ما كان لمدرسة المهندسخانة من اللوازم والأشياء الثمينة العظيمة، وفى جملتها الكتب التى كنت طبعتها وغيرها تباع بتراب الفلوس، وكذا أشياء كثيرة من نحو آلات الحديد والنحاس والرصاص، والعقارات والفضيات والمرايات والساعات والمفروشات وغير ذلك، وليتها كانت تباع بالنقد الحال بل كانت الأثمان تؤجل بالآجال البعيدة، وبعضها بأوراق الماهيات ونحو ذلك من أنواع التسهيل على المشترى، فكان التجار يربحون أرباحا جمة.
فلبطالتى واستدانتى وكثرة مصرفى، مالت نفسى للشراء من هذه الأشياء والدخول فى التجارة، ففعلت وعاملت التجار وعرفتهم وعرفونى وكثر منى الشراء والبيع فربحت، واستعنت بذلك على المصروف وأداء بعض الحقوق، واستمر منى ذلك نحو الشهرين فازدادت عندى دواعى التجارة وصارت هى مطمح نظرى، وقصرت عليها فكرتى خصوصا لما تقرر عندى من اضطراب الأحوال وتقلبات الأمور التى كادت أن تذهب منى ثمرات المعارف والأسفار، بحيث كلما تقدمت فى العمر وكثرت العيال كنت أرى التقهقر