للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبقيت فى معيته زمنا بلا شغل، إلى أن كنا مدة بمريوط وكان معنا المرحوم أدهم باشا فأخبرنى أنه صدر له الأمر بترتيب معلمين لتعليم الضباط وصف الضباط القراءة والكتابة والحساب، وسألنى عمن يليق للقيام بهذا الأمر، فعرضت نفسى لذلك فظن إنى أهزل لاعتقاده ترفعى عن هذه الخدمة وقال: أترضى أن تكون معلما لهؤلاء؟ فقلت:

كيف لا أرغب انتهاز فرصة تعليم أبناء الوطن وبث فوائد العلوم، فقد كنا مبتدئين نتعلم الهجاء، ثم وصلنا إلى ما وصلنا إليه، فلما عرض ذلك على المرحوم أحال علىّ تعليمهم فأصحبت معى اثنين من الأفندية ورتبت مواد التعليم والطريقة التى يلزم اتباعها، وشرعنا فى التعليم فكنت أكتب لهم حروف الهجاء بيدى.

ولعدم الثبات فى مكان واحد كنت أذهب إليهم فى خيامهم، وتارة يكون التعليم بتخطيط الحروف على الأرض، وتارة بالفحم على بلاط المحلات حتى صار لبعضهم إلمام بالخط وعرفوا قواعد الحساب الأساسية، فجعلت نجباءهم عرفاء استعنت بهم على تعليم الآخرين، فازداد التعليم واتسعت دائرته، واستعملت لهم فى تعليم مهمات القواعد الهندسية اللازمة للعساكر الحبل والعصا لا غير، فكنت إذا أردت توقيفهم على عملية كتقدير الأبعاد وتعيين النقط واستقامة الحذاء أجرى ذلك لهم عملا على الأرض، وأبين لهم فوائده وثمراته النظرية فكان يثبت فى أذهانهم حتى أن بعضهم كان يجريه أمامى فى الحال بلا صعوبة.

ووضعت فى ذلك كتابا مختصرا جمعت فيه اللازم من الحساب والهندسة وطرق الاستكشافات العسكرية وسميته «تقريب الهندسة»، وطبع على مطبعة الحجر فانتفع به كثير من الناس خصوصا فى الألايات، وتكرر طبعه، وكنت جمعت أيضا جزءا فيما يلزم معرفته للضباط من فن الاستحكامات وسوق الجيوش وترتيبها وكيفية المحاربات ونحو ذلك، لكنه لم يتم ولم يطبع وقد ضاع منى.

وكنت فى أوقات الفراغ أشغل الزمن بالمطالعة، وأكتب تعليقات أستحسنها فى ورقات جمعتها بعد ذلك، فصارت كتابا مفيدا فى فنون شتى مما يحتاج إليه المهندسون،