للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والألفة، وتربت الأطفال على الأخوة وغرس فيهم حب التقدم، وشرف النفس، والعفة، حتى وصلت النظارة للاكتفاء فى تأديب من فرط منه أمر بالنصيحة واللوم وانقطع الشتم والسفه وكاد يمتنع الضرب والسجن.

وبالجملة فكانت أغراضى فيهم أبوية انظر للجميع من معلم ومتعلم نظر الأب لأولاده. وإلى الآن أعتقد أن ذلك واجب على كل راع فى رعيته حتى يحصل الغرض من التربية، وقد تحقق لى نتيجة ما صرفته من الهمة فى تربيتهم والشفقة عليهم.

فإنه لما تولى المرحوم سعيد باشا ولاية مصر ورمى عنده فى المدرسة بعض المفسدين بلسان الحسد والفتنة ووصفوها بما ليس له نصيب من الصحة واختلقوا لها معايب لم تكن فيها:

كضرائر الحسناء قلن لوجهها … حسدا وبغضا إنه لدميم

حتى أوجب ذلك انفصالى عنها، وتعينت للسفر مع العساكر لمحاربة المسكوب مع الدولة العلية، وذلك فى سنة سبعين ومائتين وألف، خرج جميع التلامذة كبيرهم وصغيرهم من المدرسة قهرا عن ضباطهم، ووقفوا بساحل البحر أمام السفينة التى نزلت فيها للسفر إلى الاسكندرية، وجعلوا يبكون وينتحبون انتحاب الولد على والده، حتى بكت عينى لبكائهم، ولكن انشرح صدرى لمشاهدة ثمرات غرسى وآثار تربيتى فحمدت الله.

ثم سافرت بمعية أحمد باشا المناكلى فأقمت فى هذه السفرة قريبا من سنتين ونصف، وقد لطف الله بى وأحسن إلىّ وردّ كيد الحاسدين فى نحورهم، فإنى وإن قاسيت فيها مشاق الأسفار وما يلحق المجاهدين من الأرجاف والاضطرابات والحرمان من المألوفات لكن رأيت بلادا وعوائد كنت أجهلها، وعرفت أناسا كنت لا أعرفهم، واكتسبت فيها معرفة اللغة التركية، فإنى أقمت أربعة أشهر بالقسطنطينية اشتغلت فيها بتعلم تلك اللغة، كما أنى أقمت عشرة شهور فى بلاد القريم كان يحال علىّ فيها أمر المحاورة بين المسكوب والدولة العثمانية بأمر مجلس العسكرية، وأقمت ثمانية شهور فى بلاد الأناطول أغلبها فى مدينة كوشخانة أى (بيت الفضة) لوجود معدن الفضة هناك