وفى مدة نظارتى كنت أباشر تأليف كتب المدارس بنفسى مع بعض المعلمين، وجعلت بها مطبعة حروف ومطبعة حجر، طبع فيها للمدارس الحربية والالايات الجهادية نحو ستين ألف نسخة من كتب متنوعة، غير ما طبع فى كل فنّ بمطبعة الحجر للمهندسخانة وملحاقتها، من الكتب ذات الأطاليس والرسومات وغيرها، مما لم يسبق له طبع واستعملت فى رسم أشكالها وأطالسها التلامذة لا غير، وقد حصل منها الفوائد الجمة العمومية، وكل ذلك كان لا يشغلنى عن التفاتى للتلامذة مدة فى مأكلهم، ومشربهم، وملبسهم وتعليمهم، وغير ذلك، وكنت أباشر ذلك بنفسى حتى أعلّم التلميذ كيف يلبس، وكيف يقرأ، وكيف يكتب، وألاحظ المعلم كيف يلقى الدرس، وكيف يؤدب التلامذة. ولا يمضى يوم إلا وأدخل عند كل فرقة، وأتفقد أحوالها مع التشديد على الضباط والخدمة حتى الفراشين فى القيام بما عليهم كما ينبغى، فامتنع بذلك عن التلامذة مضار عمومية ومفاسد كثيرة، ولم أكتف بذلك بل رتبت على نفسى دروسا كنت ألقيها على التلامذة، كالطبيعة، والعمارة، وألفت فى العمارة كتابا بقى متبعا فى التعليم بالمدارس وإن لم يطبع.
وبحمد الله نجح مسعانا ونجب كثير من التلامذة، وقاموا بمصالح كثيرة، وحصل بهم النفع العظيم، وترقى جمع منهم إلى الرتب العالية، وشاع الثناء عليهم فى المعارف والآداب، وشهدت لهم بالفضل أعمالهم المهمة التى أجروها، ولكثير منهم معرفة باللغة الفرنساوية بحيث يجيد التكلم بها كمن تعلموا فى أوروبا، وخرج منهم معلمون متقنون فيها وفى غيرها.
وكان أمر المدارس كل حين لا يزداد إلا صلاحا، ولا التلامذة إلا نجاحا، ولا المعلمون إلا اجتهادا.
وكانت الامتحانات السنوية تشهد بمزيد الاعتناء، وحسن الأسلوب ونجاح الطريقة المتبعة، وكان ما يحصل للتلامذة ومعلميهم من المكافآت، والثناء، والتشويق، والترغيب، داعيا حثيثا لهم لزيادة الجد والاجتهاد، وجرت بين المعلمين مواد المودة