يا سيد يا بدوى يا من تجيب الأسير خلصنى مما أنا فيه، فقلت له: ليس الوقت وقت هزل، فقال: هذا أمر هين لا يهمك. ثم ذهب فغاب قليلا ورجع إلىّ بكيس رماه أمامى فإذا فيه قدر الدين مرتين، وقال لى: بعد استقرارك بمصر وتيسر أمرك ترسل إلى وفاءه، ولم يأخذ منى سندا بوصول المبلغ، وقال: أنا أكتفى بالقول منك، وقد كان.
وحضرنا إلى مصر فى تلك السنة، وأرسلت إليه المال على يد قنصل فرنسا بعد مدة، ومن حينئذ بطل المكتب الذى خصصه العزيز للتلامذة فى بلاد أوروبا، وبطلت الرسالة المصرية ومن بقى هناك كان فى مدارس الفرنساوية تحت نظارتهم بمصروف على الميرى.
ولما جئنا إلى مصر مكثنا جملة أيام لا ندرى ما يفعل بنا، ثم طلبنا إلى طرف حسن باشا المناسترلى-وهو الكتخدا يومئذ-وأحسن إلينا نحن الثلاثة دون غيرنا برتبة يوزباشى أول، وتعينت خوجة بمدرسة طرا، وتعين على باشا إبراهيم وحماد بيك فى ألاى الطوبجية بطرا أيضا، وتعين الذين كانوا بمدرسة أركان حرب الفرنساوية فى معية رئيس رجال أركان حرب سليمان باشا الفرنساوى برتبتهم الأولى وهى رتبة الملازم، ورفت الباقون.
ثم فرزت تلامذة المدارس وتشكلت مدرسة المفروزة من متقدمى تلامذة جميع المدارس، ولم يبق بمدرسة طرا إلا جماعة قليلون متقدمون فى السن قد أزمنوا فى المدرسة.
وكان ناظرها يومئذ (برنستو بيك) من ضباط طوبجية فرنسا المعروفين، وكان رجلا رقيق الطبع، حسن الأخلاق، حسن التدبير، حسن القيام بوظائفه. فأحضرنى مع باقى المعلمين وقال لنا: إن التلامذة الباقين صاروا إلى ما ترون من قلة العدد وكبر السن وطول المدة، وأخاف أن ذلك يدعوكم إلى التكاسل لكنى أرجوكم كما هو الواجب عليكم أن تبذلوا الجهد معهم زيادة حتى تستميلوهم إلى الاستفادة على قدر الإمكان وأملى أن هذه الحالة لا تدوم، وعما قليل تستقيم الأحوال وعلىّ وعليكم أن نقوم بواجب الامتثال وأداء ما علينا.