وهى أن معلومات رسالتنا كانت مختلفة، فبعضنا له إلمام بالتعليمات العسكرية فقط، مثل الذين أخذوا من الطوبجية والسوارى والبيادة، والبعض له إلمام بالعلوم الرياضية ولا يعرفون اللغة الفرنساوية كالمأخوذين من المهندسخانة الذين أنا منهم، والبعض له معرفة باللغة الفرنساوية، وكان بعض هؤلاء معلمين فيها بمدارس مصر، فاقتضى رأى الناظر أن يجعل المتقدمين فى الرياضة واللغة الفرنساوية فرقة واحدة وكنت أنا منهم، وأمر المعلمين أن يلقوا الدروس للجميع باللغة الفرنساوية لا فرق بين من يفهم تلك اللغة ومن لا يفهمها ففعلوا، وأحالوا غير العارفين بها على العارفين ليتعلموا منهم بعد إعطاء الدروس، فكان العارفون باللغة يبخلون علينا بالتعليم لينفردوا بالتقدم، فمكثنا مدة لا نفهم شيئا من الدروس حتى خفنا التأخير، وتكررت منا الشكوى، لتغيير هذه الطريقة، وتعليمنا بكلام نفهمه، فلم يصغ لشكوانا، فتوقفنا عن حضور الدرس أياما فحبسونا، وكتبوا فى حقنا للعزيز محمد على، فصدر أمره بالتنبيه علينا بالامتثال ومن يخالف يرسل إلى مصر محددا، فخفنا عاقبة ذلك وبذلت جهدى وأعملت فكرى فى طريقة يحصل لى منها النتيجة ومعرفة اللغة الفرنساوية، فسالت عن كتب الأطفال فنبؤنى عن كتاب فاشتريته، واشتغلت بحفظه وشمرت عن ساعد جدى فى الحفظ والمطالعة، ولزمت السهاد وحرمت الرقاد فكنت لا أنام من الليل إلا قليلا حتى كان ذلك ديدنا لى إلى الآن، فحفظت الكتاب بمعناه عن ظهر قلب، ثم حفظت جزءا عظيما من كتاب التاريخ بمعناه أيضا، وحفظت أسماء الأشكال الهندسية والاصطلاحات، كل ذلك فى الثلاثة شهور الأول وكانت العادة أن الامتحان فى رأس كل ثلاثة شهور وكنت مع ذلك ألتفت للدروس التى تعطيها الخوجات، فأثمر الحفظ معى ثمرة كبيرة وصرت أول الرسالة كلها بالتبادل مع حماد بيك وعلى باشا إبراهيم.
ولما حضر إلى مدينة باريس المرحوم إبراهيم باشا عسكر الديار المصرية حضر امتحاننا هو وسر عسكر الديار الفرنساوية مع ابن ملكهم وأعيان فرنسا وجملة من مشاهير النساء الكبار، فأثنى الجميع علينا الثناء الجميل، وفرقت علينا المكافآت نحن الثلاثة،