للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأسباب ترقيه، وكنت أسترق منه ذلك استراقا بحيث أخلل هذا الكلام بغيره، فأخبرنى أن سيده مشترى ست من الستات الكبار مرعيات الخواطر أدخلته سيدته مدرسة قصر العينى لما فتح العزيز المدارس وأدخل فيها الولدان، وأخبرنى أنهم يتعلمون فيها الخط والحساب واللغة التركية وغير ذلك، وأن الحكام إنما يؤخذون من المدارس فحينئذ حاك فى صدرى أن أدخل المدارس وسألته هل يدخلها أحد من الفلاحين فأفادنى أنه يدخلها صاحب الواسطة، فشغل ذلك بالى زيادة ومع ذلك فلم تفتر همتى، وسألته عن قصر العينى وعن طريقه وكيف الإقامة فيه، فأخبرنى عن ذلك كله وأثنى على حسن إقامتهم بها/ومأكولهم، وملبوسهم، وإكرامهم، فازددت شوقا، وكنت أكتب عندى كل ما يخبرنى به من بيان الطريق، وقدر المسافة، وأسماء البلاد التى فى الطريق، وقامت بنفسى فكرة التخلص والتوصل إلى المدارس فطلبت الإذن فى زيارة أهلى، فأذن لى بخمسة عشر يوما فسافرت إلى أن وصلت فى يوم السبت إلى بنى عياض، فى قرية فى طريقى، فتقابلت مع جملة أطفال تحت قيادة رجل خياط، مع كل واحد دواة وأقلام، فجلست معهم تحت شجرة وتحادثنا فظهر لى أنهم تلامذة من مكتب منية العز، وكان ذلك فألا حسنا ورأوا خطى فوجدوه أحسن من خطوطهم، فقال بعضهم لبعض: لو لحق هذا بالمكتب لكان جاويشا، فقال الخياط: ذلك قليل عليه فإن خط الباشجاويش الذى عندنا لا يساوى هذا الخط، فسألتهم: ما الجاويش؟ وما الباشجاويش؟ فأفادونى أنهم المقدمون فى المكتب، فجعلت أستفهم عن المكتب وصفته، وجعل الخياط يحسن لى أوصافه ويغرينى على دخوله، وأفهمنى أن نجباء المكاتب ينتقلون إلى المدارس بلا واسطة، فرأيت ذلك غاية مرغوبى فلم أتأخر عن الذهاب معهم، ودخلت المكتب، فإذا ناظره من معارف والدى، فأراد أن يمنعنى من الانتظام فى عقد التلامذة واجتهد فى ذلك لمرضاة والدى، فلم أسمع كلامه، وبقيت فى المكتب خمسة عشر يوما، وكان الناظر قد أرسل إلى والدى فلما جاءه قص عليه خبرى وأراه أنى راغب جدا. وأنى قلت له:

إن لم يكتبنى فى المكتب اشتكيته، ثم دبر معه حيلة على أخذى على حين غفلة منى ومن التلامذة فانتظر خروجنا للفسحة والأكل فى وقت الظهر فاختطفنى والدى إلى بلدتنا، وحبسنى فى البيت نحو عشرة أيام كل ذلك ووالدتى تبكى علىّ وتستعطفنى للرجوع عما