للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خبرَ تَثبُتُ به الحُجَّةُ أنَّها نزلَت في شَيءٍ، ولا دلالةَ في كتابٍ، ولا حُجَّةَ عَقْلٍ أيُّ ذلك عُنيَ بها» (١)، فأسبابُ النُّزولِ الواردةُ هنا مُتساويةٌ عنده، ولا فضلَ لأحدِها على الآخرِ. ثُمَّ بعدَ هذه الآيةِ في قولِه تعالى ﴿وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النحل: ٩٤]، استدرَكَ وقالَ: «وهذه الآيةُ تدُلُّ على أنَّ تأويلَ بُريدةَ الذي ذَكَرنا عنه في قولِه ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ﴾ [النحل: ٩١]، والآياتِ التي بعدَها، أنَّه عُنيَ بذلك الذين بايَعوا رسولَ الله على الإسلامِ، عن مُفارقةِ الإسلامِ لقِلَّةِ أهلِه، وكَثرَةِ أهلِ الشِّركِ = هو الصَّوابُ، دون الذي قالَ مُجاهدٌ أنَّهم عُنوا به؛ لأنَّه ليس في انتقالِ قَومٍ بحِلفٍ عن حُلفائِهم إلى آخَرين غيرِهم صَدٌّ عن سبيلِ الله، ولا ضَلالٌ عن الهُدى، وقد وصفَ تعالى ذِكرُه في هذه الآيةِ فاعِلي ذلك أنَّهم باتِّخاذِهم الأيمانَ دَخَلاً بينهم، ونَقْضِهم الأيمانَ بعد تَوكيدِها = صادُّون عن سبيلِ الله، وأنَّهم أهلُ ضَلالٍ في التي قبلَها، وهذه صِفةُ أهلِ الكُفرِ بالله، لا صِفةَ أهلِ النُّقلَةِ بالحِلفِ عن قَومٍ إلى قَومٍ» (٢)، فرجعَ إلى تصحيحِ الأَولى مِنْ أسبابِ النُّزولِ فيما سبقَ بدلالةِ السّياقِ في الآياتِ بعدَها.

إحدى عشَرَ: سبَبُ النُّزولِ الواردِ عن الصَّحابي مُقدَّمٌ على ما جاءَ عن غيرِه (٣)؛ وذلك لمعنى مشاهدةِ التَّنزيلِ وحضورِه، ومِن شواهدِ ذلك


(١) جامع البيان ١٤/ ٣٤٠.
(٢) جامع البيان ١٤/ ٣٤٨. وينظر: ٨/ ٣٦٧، ٥٠٧، ١١/ ٦٥٨.
(٣) سبقت الإشارةُ إلى نحوِ ذلك في ضوابط الاستدلالِ بأقوالِ السلف (ص: ٣٢٩).

<<  <   >  >>