للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَولى. فإن ظَنَّ ظانٌّ أنَّ في الخبرِ الذي رُويَ عن الزُّبيرِ وابنِ الزُّبيرِ مِنْ قِصَّتِه وقِصَّةِ الأنصاريِّ في شِراجِ (١) الحَرَّةِ، وقَولِ مَنْ قالَ في خبَرِهما: فنَزَلَت ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء: ٦٥]. ما يُنبئُ عن انقِطاعِ حُكمِ هذه الآيةِ وقِصَّتِها مِنْ قِصَّةِ الآياتِ قبلَها = فإنَّه غيرُ مُستحيلٍ أن تكونَ الآيةُ نزلَت في قِصَّةِ المُحتكِمين إلى الطّاغوتِ، ويكونَ فيها بيانُ حُكمِ ما اختصَمَ فيه الزُّبيرُ وصاحبُه الأنصاريِّ؛ إذْ كانَ في الآيةِ دلالَةٌ على ذلك، وإذْ كانَ ذلك غيرَ مُستحيلٍ، فإنَّ إلحاقَ معنى بعضِ ذلك بِبَعضٍ أَولى، مادامَ الكلامُ مُتَّسِقةً معانيه على سياقٍ واحدٍ، إلا أن تأتيَ دلالةٌ على انقِطاعِ بعضِ ذلك مِنْ بعضٍ، فيُعدَلَ به عن معنى ما قبلَه» (٢).

ومثلُه قولُه عند قولِه تعالى ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا﴾ [النحل: ٩١]: «والصَّوابُ مِنْ القولِ في ذلك أن يُقالَ: إنَّ الله تعالى ذِكرُه أمرَ في هذه الآيةِ عبادَه بالوَفاءِ بعُهودِه التي يَجعَلونها على أنفُسِهم، ونهاهُم عن نَقضِ الأَيْمانِ بعد تَوكيدِها على أنفُسِهم لآخَرين، بعُقودٍ تكونُ بَينهم بحَقٍّ، مِمّا لا يَكرَهُه الله. وجائِزٌ أن تكونَ نزلَت في الذين بايعوا رسولَ الله بِنَهْيِهم عن نَقضِ بَيْعَتِهم؛ حَذَراً مِنْ قِلَّةِ عَدَدِ المُسلمين، وكَثرَةِ عَدَدِ المُشركين. وأن تكونَ نزلَت في الذين أرادوا الانتقالَ بحِلفِهم عن حُلَفائِهم؛ لقِلَّةِ عَدَدِهم، في آخرين لكَثرَةِ عَدَدِهم. وجائِزٌ أن تكونَ في غيرِ ذلك، ولا


(١) هي: مسايلُ الماءِ مِنْ الحَرَّةِ إلى السَّهلِ. ينظر: لسان العرب ٢/ ١٣١.
(٢) جامع البيان ٧/ ٢٠١ - ٢٠٥.

<<  <   >  >>