للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك كذلك، فالصَّوابُ أن يُحكَمَ لظاهرِ التَّنزيلِ بالعُمومِ على ما عَمَّ، ويَجوزُ ما قالَه أهلُ التأويلِ فيه مِنْ القَولِ الذي لا عِلمَ عندَنا بخِلافِه، غيرَ أنَّه لا شَكَّ أنَّ الآيةَ نزلَت في مُنافقٍ كانَ يُوالي يهودَ أو نصارى؛ خَوفاً على نفسِه مِنْ دوائِرِ الدَّهرِ؛ لأنَّ الآيةَ بعد هذه تَدُلُّ على ذلك» (١)، وقولُه في قولِه تعالى ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ﴾ [التوبة: ٧٤]: «والصَّوابُ مِنْ القَولِ في ذلك عندنا أن يُقالَ: إنَّ الله تعالى أخبَرَ عن المُنافقين أنَّهم يَحلِفون بالله كَذِباً على كلِمةِ كُفرٍ تكلَّموا بها أنَّهم لم يقولوها، وجائِزٌ أن يكونَ ذلك القَولُ ما رُوِيَ عن عُروةَ أنَّ الجُلاسَ قالَه، وجائِزٌ أن يكونَ قائِلُه عبدَ الله بن أُبيٍّ ابنَ أبي سَلولَ، والقَولُ ما ذكرَ قتادةُ عنه أنَّه قالَ، ولا علمَ لنا بأيِّ ذلك مِنْ أيٍّ؛ إذْ كانَ لا خبرَ بأحدِهما يوجِبُ الحُجَّةَ، ويُتوَصَّلُ به إلى يقينِ العلمِ به، وليس مِمّا يُدرَكُ عِلمُه بفِطرةِ العقلِ، فالصَّوابُ أن يُقالَ فيه كما قالَ الله جلَّ ثناؤُه» (٢).

تاسعاً: يُنبِّه ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) إلى عدمِ الاشتغالِ بالاختلافِ الواردِ في بعضِ الأخبارِ مِمّا لا أثرَ له في بيانِ المعنى، ففي قولِه تعالى ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ﴾ [المائدة: ١٠٣]، ذكرَ معانيَ تلك الألفاظِ، ثُمَّ قالَ: «وقد اختلفَ أهلُ التأويلِ في صِفاتِ المُسمّياتِ بهذه الأسماءِ، وما السَّببُ الذي مِنْ أجلِه كانَت تَفعلُ ذلك؟» (٣)، ثُمَّ أورَدَ عن السَّلفِ الأخبارَ الطَّويلةَ في تفصيلِ ذلك، ثُمَّ قالَ: «وهذه أمورٌ


(١) جامع البيان ٨/ ٥٠٧.
(٢) جامع البيان ١١/ ٥٧٢. وينظر: ١٤/ ٣٤١.
(٣) جامع البيان ٩/ ٣٠.

<<  <   >  >>