للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَصداً، أو الاتِّفاقِ بغيرِ قَصدٍ، كانَت صحيحةً قَطعاً، فإنَّ النَّقلَ إمّا أن يكونَ صِدقاً مطابِقاً للخَبرِ، وإمّا أن يكونَ كذباً تعمَّدَ صاحِبُه الكذِبَ، أو أخطأَ فيه، فمتى سَلِمَ مِنْ الكذبِ العَمدِ والخطأِ كانَ صِدقاً بلا رَيْبٍ .. ، وهذا الأصلُ يَنبغي أن يُعرَفَ؛ فإنَّه أصلٌ نافِعٌ في الجَزمِ بكثيرٍ مِنْ المَنقولاتِ في الحديثِ والتَّفسيرِ والمَغازي، وما يُنقَلُ مِنْ أقوالِ النّاسِ وأفعالِهم، وغيرِ ذلك» (١)، وقد سبقَ التَّعريفُ بمَنهجِ العلماءِ في التَّعامُلِ مع تلك المرويَّاتِ، وإيضاحُ منهجِ ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠) فيها كذلك. (٢)

ثانياً: كلُّ معنىً أضافَتْه أحوالُ النُّزولِ إلى المعنى اللُّغويِّ فهو في محلِّ التَّقديمِ والاعتبارِ عند ابنِ جريرٍ (ت: ٣١٠)، ومِن شواهدِ ذلك قولُه في قولِه تعالى ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾ [البقرة: ١٨٩]: «نزلَتْ هذه الآيةُ في قومٍ كانوا لا يدخلون إذا أَحرَموا بُيوتَهم مِنْ قِبَلِ أبْوابِها» (٣)، ثُمَّ أسندَ ذلك مرويّاً عن السَّلفِ، ثُمَّ قالَ: «فتأويلُ الآيةِ إذنْ: وليس البِرُّ أيُّها النَّاسُ بأن تَأتوا البيوتَ في حالِ إحرامِكم مِنْ ظُهورِها .. » (٤)، وهذا مِمّا أضافَه سبَبُ النُّزولِ على لفظِ الآيةِ كما هو ظاهرٌ. ومثلُه قولُه في قولِه تعالى ﴿يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ﴾ [الأعراف: ٢٦]: «يقولُ جَلَّ ثناؤُه للجَهَلَةِ مِنْ العربِ الذين كانوا يتعرَّوْن للطَّوافِ بالبيتِ، اتِّباعاً مِنهم أمرَ


(١) مجموع الفتاوى ١٣/ ٣٤٧.
(٢) (ص: ٢٣٣، ٣٢٤).
(٣) جامع البيان ٣/ ٢٨٣.
(٤) جامع البيان ٣/ ٢٨٨.

<<  <   >  >>