للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَنْ شاهدَها؛ لِقُربِ عهدِهم بها، واستِفاضةِ أخبارِها لديهم؛ وهُم التابعون = هُمْ مَنْ كانَ يجوزُ لهم تفسيرُ آياتِ القرآنِ على مُقتضى ما شاهدوه وعرَفوه مِنْ أسبابِ نزولِها، وأحوالِ مَنْ نزَلَت فيهم، وليس لمَن بعدهم مِمَّنْ لم يتحقَّقوا تلك الأحوالَ إلا بأخبارٍ تُنقَلُ إليهم على ألْسِنةِ الرُّواةِ مِمّا لا يُقطَعُ على مُغيَّبِه باليَقينِ = أن يتعاطَوا هذا الوَجهَ مِنْ التَّفسيرِ، وإنَّما عليهم أن يَتْبَعوا أولئك السّابقين، ويتطلَّبوا مذاهبَهم وأقوالَهم في ذلك» (١).

ومِن ثَمَّ فمَنهجُ قبولِ مرويّاتِ أحوالِ النُّزولِ يتفاوَتُ بحسبِ نوعِ الرِّوايةِ؛ فما كانَ مِنها عن رسولِ الله ، فلَه حُكمُ ما يُروى عن رسولِ الله في مَنهجَيْ النَّقلِ والاستدلالِ؛ على ما سبقَ بيانُه في دليلِ السُّنَّةِ، وما كانَ مِنه مِنْ أقوالِ السَّلفِ فيُرجَعُ فيه إلى مَنهجِ النَّقلِ عنهم، والاستدلالِ بأقوالِهم؛ فيما سبقَ بيانُه في دليلِ أقوالِ السَّلفِ.

ولا يَخرُجُ المَنقولُ في أحوالِ النُّزولِ عن هذين الوَجْهَيْن، وفي الجُملَةِ فإنَّ مرويَّاتِ أحوالِ النُّزولِ مِنْ جِنسِ مرويّاتِ التَّفسيرِ في عمومِها، وفي هذا يقولُ ابنُ تيميّة (ت: ٧٢٨): «وأمّا أحاديثُ سبَبِ النُّزولِ فغالبُها مُرسَلٌ ليس بمُسنَدٍ، ولهذا قالَ الإمامُ أحمد بن حنبل: ثلاثُ علومٍ لا إسنادَ لها -وفي لفظٍ: ليس لها أصلٌ-: التَّفسيرُ، والمغازي، والملاحِمُ. يعني أنَّ أحاديثَها مُرْسلَةٌ» (٢)، وقالَ مُجمِلاً منهجَ التَّعاملِ معها: «والمراسيلُ إذا تعدَّدت طرقُها، وخَلَت عن المواطأةِ


(١) مقدِّمتان في علوم القرآن (ص: ١٩٥).
(٢) منهاج السنّة النَّبويّة ٧/ ٤٣٥.

<<  <   >  >>