للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أوليائه معدودًا وهم أكثر ممن قال بقبوله ومنهم من هو أعلم منه، ويغلب على الظن أنهم وقفوا على رواته في سائر الطرق فرأوهم مجروحين وفات ذلك القائل بالقبول، ولعمري أن القول بأن هذا الخبر مما ألقاه الشيطان على بعض ألسنة الرواة ثم وفق الله تعالى جمعًا من خاصته لإبطاله أهون من القول بأن حديث الغرانيق مما ألقاه الشيطان على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم نسخه سبحانه وتعالى لا سيما وهو مما لم يتوقف على صحته أمر ديني ولا معنى آية ولا ولا سوى أنها يتوقف عليها حصول شبه في قلوب كثير من ضعفاء المؤمنين لا تكاد تدفع إلا بجهد جهيد، ويؤيد عدم الثبوت مخالفته لظواهر الآيات فقد قال سبحانه في وصف القرآن: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢)} [فصلت: ٤٢]، والمراد بالباطل ما كان باطلًا في نفسه وذلك الملقى كذلك وإن سوغ نطق النبي - صلى الله عليه وسلم - به تأويله بأحد التأويلين، والمراد {لَا يَأْتِيهِ} استمرار النفي لا نفي الاستمرار.

وقال - عز وجل -: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)} [الحجر: ٩] فجيء بالجملة الاسمية مؤكدة بتأكيدين ونسب فيها الحفظ المحذوف متعلقة إفادة للعموم إلى ضمير العظمة وفي ذلك من الدلالة على الاعتناء بأمر القرآن ما فيه.

وقد استدل بالآية من استدل على حفظ القرآن من الزيادة والنقص وما علينا ما قيل في ذلك، وكون الإلقاء المذكور لا ينافي الحفظ لأنه نسخ ولم يبق إلا زمانًا يسيرًا لا يخلو عن نظر، والظاهر أنه وإن لم يناف الحفظ في الجملة لكنه ينافي الحفظ المشار إليه في الآية على ما يتقضيه ذلك الاعتناء، ثم إن قيل: بما روي عن الضحاك من أن سورة الحج كلها مدنية لزم بقاء ما ألقى الشيطان قرآنًا في اعتقاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين زمانًا طويلًا والقول بذلك من الشناعة بمكان، وقال - عز وجل -: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)} [النجم: ٤] والظاهر أن الضمير لما ينطق به عليه - صلى الله عليه وسلم - مما يتعلق بالدين، ومن هنا أخرج الدارمي عن يحيى بن أبي كثير أنه قال: كان جبريل - عليه السلام - ينزل بالسنة كما ينزل بالقرآن.

والمتبادر من لحن الخطاب أن جميع ما ينطق به - صلى الله عليه وسلم - من ذلك ليس عن إلقاء شيطاني كما أنه ليس عن هوى، وبقيت آيات أخر في هذا الباب ظواهرها تدل على المدعي أيضًا،

<<  <  ج: ص:  >  >>