للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في هذا شيء يمنع منه غير الصعود على السقف لما يتوقع من فساده بالصعود إليه، وعلمك محيط بما ذكره الله من الترغيب قال الله تعالى: {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه} (النور: من الآية ٣٦).

والاحتساب فيما ذكره عن سليمان غير سائغ إذ ذلك ذكر الله، وهو مما تنشرح له صدور أهل الإيمان وتطمئن به قلوبهم {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} (الرعد: ٢٨). ومتى عهد من أذن بالأسحار وابتهل في الدعاء والاستغفار يوقف موقف الإقرار والإنكار، أما سمع المحتسب قول الله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} (الأنعام: من الآية ٥٢).

وقد حكي مالك رحمه الله أن الناس في الزمان الأول كانوا عند خروجهم لأسفارهم يتواعدون لقيام القراء لقيامهم بالأسحار فتسمع أصواتهم من كل منزل، وثبت عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "بلالاً ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم (١) ". وقال ابن حسيب: ولا بأس أن يؤذن لها بليل طويل، يدل على ذلك هذا الحديث. قال: وأي ساعة أذن لها من الليل بعد أن يخرج وقت العشاء، وهو شطر الليل فذلك واسع والنداء لها في عسعسة الليل أفضل، وعليه مضى العمل.

وذكر هذا المحتسب أن في ذلك ضررًا عليهم، فيحتمل أن يريد بهذا الضمير جماعة المسلمين، فإن كان أراد هذا فلا يصح قوله؛ إذ لم يمنع أحد من المسلمين من ذلك ولا سمعناه عن أحد منهم أنه قاله، ويحتمل أن يريد من يجاور المسجد من المسلمين وغيرهم.

فإن أراد هذا فعلمك محيط أنه لا يجب له التكلم عنهم إلا بعد توكيلهم إياه، ولو ذهبوا إلى ذلك والله يعصمهم منه، ويوفقهم لما سمع منهم؛ لأن مالكًا قال في الضراب للحديد يكون جار الرجل ملاصقًا، ليس ينهما إلا حائط فيعمل الليل كله والنهار، يضرب الحديد فيتأذى بذلك جاره، ولا يجد راحة من كثرة ضربه. قال مالك: لا يمنع من ذلك، فمالك رحمه الله رأى ألا يمنع ضراب الحديد وهو يؤذي جاره بذلك، فكيف من يقوم للأذان والدعاء؟ والله أسأله لنا ذلك توفيقًا وتسديدًا، والسلام عليك يا سيدي ووليي ورحمة الله.


(١) ... الحديث أخرجه البخاري ج ١، ص ٢٢٣ برقم ٥٩٢، ومسلم ج ٢، ص ٧٦٨ برقم ١٠٩٢.

<<  <   >  >>