للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الآية ١٥٢). فأمر بذكره على كل حال. وكل ما صنعه سليمان فحسن مأمور به مرغب فيه، حسن من الدعاء وقراءة القرآن، وتذلكير الناس وتخويفهم، قديم من فعل الصالحين والمتبتلين والزهاد في أمصار المسلمين.

وقد كان بالبصرة عروة بن أذينة، يقوم بالليل فيصيح في الطريق ويخوفهم ويحظهم بقول الله سبحانه {أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بيانا وهم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون} (الأعراف: ٩٨). ثم يقبل على صلاته فيصلي حتى يصبح، وإنما على المرء من النوافل ما قدر عليه، ولا يكلف ما لا يطيقه. فقد روى عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قيل له: إن الحولاء بنت تويت لا تنام الليل فكره ذلك، وقال: "إن الله لا يمل حتى تملوا أكلفوا من العمل ما لكم به طاقة (١) ".

إلا أنه لا يجوز لسليمان ولا لغيره أن يؤذي أحدًا بفعل ولا بقول، ومن فعل ما ذكرته فغير ملوم، وكان الواجب على من قام عليه في هذا ألا ينكر عليه عند السلطان، وقد دون السلطان كفاية ورفع مثل هذا ألا يصلح.

فإن كان هذا الذي وصف لا يؤذي الناس، وهذا محال، لا ينكر هذا من قيام الليل منكرًا فاكشف عنه كشفًا شافيًا، ولا يجب أن يمنع هذا. هذه طريقة المجتهدين في القديم والحديث، وإنما يمنع من أدخل على المسلمين في دينهم مضرة أو في دنياهم، والاقتصاد في الأمور حسن أيضًا، وأما الآذان في الليل للنوافل كلها وللصلاة الفائتة والاستسقاء والخسوف وما كان من غيرها من صلاة النوافل كلها فمنع بعض أهل العلم (أ – ١٦١) من الآذان لها، هذا الذي لا يجوز أن يتعدى إلى غيره. والله يوفق الجميع من الطائفتين بمنه وفضله.

وجاوب ابن عتاب:

يا سيدي ووليي ومن أدام الله توفيقه، ما ذلك هذا القائم بالحسية عن سليمان أنه يقوم في جوف الليل ويؤذن على سقف المسجد ويبتهل في الدعاء ويتردد في ذلك، فليس


(١) ... الحديث أخرجه البخاري ج ١١، ص ٣٨٦ برقم ١١٠٠، ومسلم ج ١، ص ٥٤٠ برقم ٧٨٢.

<<  <   >  >>