سألتنا – وفقك الله وأعانك على ما قلدك – عن قوم يحلقون في المسجد الجامع للفتيا ومذاكرة العلم والخوض فيه وذكرت أن رافعًا رفع إليك أن المتحلقين فيه ليسوا ممن يستحق ذلك وأن إقامتهم واجب، إذ المساجد إنما اتخذت للصلاة وتحلقهم فيها مما يضر بالمصلين.
فالذي نراه ونقول به في ذلك – والله الموفق – أن المساجد وإن اتخذت للصلاة، فإن الخوص فيها في العلم وضروبه جائزة من فعل الأئمة. وقد جاء عن مالك رحمه الله أنه كان يتحلق يوم الجمعة في مسجد النبي (صلى الله عليه وسلم) حتى يخرج الإمام، فإذا خرج قطع الفتى واستقبل الإمام.
والعلم – أكرمك الله – أفل شيء اجتمع لمذاكرته والتكلم فيه بعد كتاب الله عز وجل، وقد رأيت مساجد الأمصار يتحلق فيها الأئمة ومن دونهم من المتفقهين، ولا ينكر ذلك عليهم، ولا يقام أحد منهم، وترك المتحلقين في الجامع على ما هم عليه واسع إن شاء الله. قال بذلك عبيد الله بن يحيى وابن لبابة ومحمد بن وليد وسعد بن معاذ.
قال القاضي:
هذا الجواب على الإطلاق في ترك هؤلاء المتحلقين غير صحيح، إنما يباح ذلك إذا كان فيهم من يوثق بفهمه وعلمه ودينه، ويؤمن عليه التكلم فيما لا يحسنه، والفتوى بما لا يعلمه فهو يتكلم معهم فيما يعلم، ويبصر الجاهل ما لا يفهم، فإذا كان هذا أبيح له وللمستمعين التحلق والتعلم في غير أوقات الصلاة خير لا يضرون بالمصلين.
وقد ذلك أبو البختري: أن علي بن أبي طالب – (رضي الله عنه) دخل المسجد، فإذا رجل يخوف فقال: ما هذا؟.
فقالوا: رجل يذكر الناس، فقال: ليس برجل يذكر الناس، ولكنه يقول: أنا فلان ابن فلان فاعرفوني، فأرسل إليه فقال له: أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا قال: فاخرج من مسجدنا ولا تذكر فيه. وروي عن ابن عابس ونحوه، وما حكوه في جوابهم عن مالك مصحف خطأ، وكذلك باقي جوابهم وتركنا شرحه كراهة التطويل.