للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أنها تحلب قسطًا: قال ابن القاسم: ذلك جائز في رأيي، وتجرب الشاة، فإن جلبت قسطًا وإلا ردها، وقد جاء الحديث: رد ما لم يشترط فيها أنها تحلب كذا إذا اشتراها وهي مصراة، وهذه أحرى أن يردها إذا اشترط، وفي هذا الباب: قلت: أرأيت إن اشتريت شاة لبن غير مصراة ولا أخبرني البائع بما تحلب إلى الخيار إذا أحلبتها، كمن اشترى مصراة؟ قال: أما الغنم التي شأنها الحلاب وإنما تشتري لذرها في إبان ذرها فأرى إذا باعها، وقد عرف حلابها ولم يبنه للمشتري فالمشتري بالخيار؛ لأن الغنم إنما تشتري لألبانها لا للحومها ولا شحومها، فإذا عرف حلابها وكتمه كان كمن باع طعامًا جزافًا وقد عرف كيله فكتمه.

قال القاضي:

وهذه المسألة تحشم المفتي المعترض بما قدمنا ذكره؛ لأنه لا فرق عند كل ذي حس بين قوله في الشاة: يجلب منها كذا، وبين قوله في الأرض يصاب فيها في الأغلب من معهود رفعها كذا، وقد كان يجب أن يقتصر عليها، ولا نشغل أنفسنا باجتلاب غيرها، ولكن في هذا ما يستدل به على غفلة المعترض وتضييعه وأنه لم يكن شيء من هذا في ذكره.

ومن ذلك مسألة حسنة وقعت في سماع عيسى من رهون العتبية، فيمن رهن رجلاً رهنًا في حق له إلى أجل، فأقاما الرهن بأربعة دنانير وساق المسألة إلى آخرها ثم ذلك اعتراض معترض إن كان ونصه، ثم قال: ومن هذا الباب ما يجري قضاء القضاء والحكام به من قول مالك ما طرد الليل والنهار فيمن استحق شيئًا من الحيوان، فأراد المستحق منه أن يذهب بالشيء المستحق إلى موضع البينة، فإن الشيء المستحق يقومه أهل المعرفة إن جهل المتحاكمان قيمته، وإن علماها هما واتفقا عليها كان ذلك أسهل على الحاكم في نظره واخلص في حكمه.

ومن ذلك أيضًا شيء لم يزل أهل العلم عندنا يعتقدونه ويفتون به فيمن اكتسب وثيقة يذكر حق على آخر، وشرط التصديق في دعوى القضاء، وقال إن ملتزم التصديق عرف باختلاف أهل العلم في وجوب اليمين وسقوطها، فأخذ بقول من رأى سقوطها أو قضى على نفسه بذلك، أليس قضاؤه على نفسه باختيار ما تخبره من أقوال العلماء في التصديق أصح في القضاء، وأبرأ لنفس الحاكم؟! هذا ما لا يشك فيه.

<<  <   >  >>