للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبعد هذا كله فإنا لا نأمن على هذا المفتي أن يركب ردعه ويكابر العيان عندما يظهر عجزه، فإن كان ذلك كذلك ولم يزعه وازع، ولا دفعه بالمواجهة مدافع رجعنا معه إلى ما يرجع إليه من لا حجة له ولا برهان معه ولا عاضد من أهل المذهب يعضده.

فنقول: إن ما نتفق نحن وأنت عليه ونجتمع في القول به أن قول مالك رحمه الله تعالى الذي لا نسطيع دفعه أن القاضي إذا قضى بقضاء أداه إليه اجتهاده، ولم يكن في كتاب الله عز وجلا ولا سنة رسول (صلى الله عليه وسلم) ما يخالفه فليس لأحد نقضه، ولا يسوغ لحاكم رده. هذا آخر القول، ومنتهى الجواب، والله الموفق للصواب، والهادي إلى الرشاد، بمنه وفضله وجزيل طوله، ثم قال: إنه ثابت إلى ذكره نظائر للمسائل التي اجتلبها ونقلها في نحو ورقة تركتها اختصارًا، وفيما ذكرنا كفاية إذ هو أكثر جوابه، وأبين من حجاجه.

وكان شيخنا أبو عبد الله ابن عتاب معجبًا بجواب القاضي هذا مثنيًا عليه وكان شيخه، وأكثر تفقه معه، وسمعته يقول: كنت أراه في النوم وهو مقبل من ناحية حوانيت مفرج بقرطبة، وأنا ناهض إلى جهتها فكنت أسلم عليه وأسأله عن حاله، فقال لي: نفعني الله بالمدة التي كنت فيها معزولا، ونحو هذا. كانت هذه المدة نحو ثلاثة أعوام رحمنا الله وإياهم.

مسألة في الاحتساب على المؤذن أبي الربيع في أذانه بالأسحار وابتهاله بالدعاء:

كان هذا سليمان الشقاق متصرفًا بين يدي الواعظ أبي العباس أحمد بن أبي الربيع الألبيري الواعظ بجامع قرطبة فقام على سليمان هذا القائم عند الوزير القاضي أبي علي ابن ذكوان وهو في خطة أحكام السوق بالحسية وذكر أنه يقوم في جوف الليل ويصعد على سقف المسجد الذي يقرب داره ويؤذن على السقف ويبتهل بالدعاء، ويتردد في ذلك إلى أن يصبح، وقال القائم: إن في ذلك ضررًا على الجيران، ووقفه القاضي على لك فأقر به إلا أنه قال: إن قيامه لذلك قدر ساعة، فشاور في ذلك، وقال: قد بلغكم هذا الذي خاطبتكم به فعرفوني بما ترونه موفقين.

يا سيدي ووليي ومن أبقاه الله وسلمه، يؤمر هذا المقوم عليه أن يقطع الضرر عن جيرانه، ويجري على ما كان يجري عليه الناس قبله من الأذان المعهود في الليل، وعلى ما كان من أفعال الصالحين والاقتصار عليها، فإن الخلاف شر، وفقنا الله وإياه للعمل الصالح والقول به إن شاء الله عز وجل.

<<  <   >  >>