للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإباحة والجواز إلا ما ورد الخبر بحظره والمنع منه. ومن أصلهم أيضًا: أن العرف كالشرط. وأيضًا فإن من أصول مذهبنا: أن كل ما أوجبه الحكم فالإفصاح باشتراطه في أصل العقد جائز، فقد بان بما أصلنا أن كل من اكترى أرضًا أو ابتاع من الثمرات شيئًا على أن يحتسب بجاحة إن كانت له، فإنما اشترط من ذلك ما لو سكت عنه لكان الحكم يوجبه فذكره له كسكوته عنه في موجب الحكم، غير أن ذكره أقطع للتنازع، وأرفع للإشكال.

فلذلك كانت مقادير الجوائح عند من يلي القبالة معلومة لم يجز له فيها عقد إلا باستواء علمه وعلم المتقبل بها، فإن لم يعلم المتقبل من ذلك مثل الذي علم ولي العقد دخل ذلك الفساد، وكان من باب الغش والتدليس، كبائع الشاة اللبون وقد علم حلابها، والصبرة جزافًا وقد علم كيلها، لا يجوز ذلك عند مالك وأصحابه، حتى يعلم المبتاع من ذلك مثل الذي علم البائع.

والأصل في ذلك ما روي عن النبي (صلى الله عليه وسلم): "لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، فإن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعًا من تمر (١) " فهذا يبين لك أن المتكاريين إذا علم أحدهما من باطن أمر لاشيء المكترى ما لم يعلمه الآخر أن ذلك من التدليس الذي ورد الحديث بالنهي عنه في الشاة.

ومن ذلك بيوع المرابحة لا تجوز عند مالك إلا بأن يستوي علم المشتري مع علم البائع في جميع أحوالها، وما جرى عنده من أمرها. روي عنه ابن القاسم في مرابحة: المدونة فيمن اشترى سلعة فحالت أسواقها، وأراد بيعها مرابحة: أنه لا يبيعها مرابحة إلا أن يبين.

قال ابن القاسم: وإن حالت أسواقها بزيادة فأعجب إلى ألا يبيع حتى يبين؛ لأن الطري عند التجار ليس كالذي تقادم عهده، هم في الطري أرغب وعليه أحرص.

ومن هذا الذي أصله شيء تساهل فيه، ذكرناه وكشفنا عنه لئلا يهتدي المخالف إليه فيلزمنا الوهم به، وهو إجازة مالك إتغلال الحوائط والدور والدواب والرقي ثم يبعها


(١) ... الحديث أخرجه البخاري ج٢، ص ٧٥٥ برقم ٢٠٤١، وابن حبان في صحيحه ج ١١، ص ٣٤٣ برقم ٤٩٧٠، والبيهقي في الكبرى ج ٥، ص ٣١٨ برقم ١٠٤٩٤، والإمام الشافعي في مسنده ج ١، ص ١٨٩، والإمام أحمد في مسنده ج ٢، ص ٤١٠ برقم ٩٢٩٩.

<<  <   >  >>