قال: ذلك جائز لأن في التأخير نظرًا لرب المال، وهو من التجارة، ولو كان لمعروف صنعه الوكيل بالمشتري لم يجز؛ لأنه لا يجوز له أن يصنع المعروف في مال رب المتاع إلا بأمره، وكذلك الشريكان لا يجوز لأحدهما صنيع معروف في مال صاحبه إلا بأمره وما صنعه للتجارة والاستئلاف من تأخير أو وضيعة من رأس المال فذلك جائزة الوكيل فيما وضعه عن المشتري.
فهذا كله يدل على تمام نظر القاضي، وجواز أمره فيما وضع على هذا السبيل، مع أن أمر القاضي أعلى ونظره أتم وأقوى، ومما يكشف لهذا المعترض ضعف ما توهم وبطلان ما اعتقده، وظن أن باب أجنة الرملة وغيرها قد جرت عادتهم أن متى ابتاع منهم مبتاع ورقة من أوراق الخضر فخسر فيها خسرانًا كثيرًا خففوا عنه وأحسنوا إليه استئلافًا له واستجلابًا لمتاجرته واستكثارًا من معاملته، والقاضي فإنما يجري فيما يقبله من الأحباس مجرى المدعي في خاصة نفسه في هذا وشبه إذا نزل به.
ولست لمفت أن يعترض برأيه فيما ليس من شأنه، وما هو مصروف إلى غيره من أهل المعرفة به، ولو سئل كل ذي جنان يعاني عملها بنفسه أو يقبلها من غيره عن وجه انظر وما يجره إلى معنى النفع وتنمية المال لقال: إن الذي رآه هذا المفتي هو من سوء النظر وإضاعة المال.
ثم ذلك هنا اعتراض معترض – إن كان – بأن العادة أن جرت كالشرط، واستدل على بطلان ذلك فاختصرته كراهة التطويل، ثم قال: وأما ما أنكره المفتي من تحديد مقدار الوسط من الرفع وقت القبالة ليحتزي عند نزول الحاجة عليه فإنكار من لم يأخذ نفسه باعتبار المعاني ولا وقف على حقائق أصول المسائل؛ لأن معلومًا عند كل ذي فهم ولب أن كلما وجد السبيل إلى حصر عوارض المسائل، واستقصاء عللها، والوقوف على ما تؤول إليه كان أرفع للجهالة وأنفى لعلل الفساد، وأدعى إلى حصر صفات الجواز.
وما أظن قائل هذا القول حصل ما قاله ولا تدبر ما يؤدي إليه؛ لأن قوله هذا يؤدي إلى أنه ازداد الشيء صحة زاد مرصًا، وهذا لا يقوله أحد، وأنا أجتب على هذه المسألة من الشواهد ما فيه كفاية بالغة إن شاء الله عز وجل.
فأول ذلك: أن من أصول أهل المدينة، ومذهب جماعتهم: أن الأشياء كلها على