واعلم أنَّ مثل ذلك من عقوبات النفس ليس جائزًا في شريعتنا؛ لأنَّ الله تعالى رفع عن هذه الأمة مثل هذه الأخبار، وفي آداب الشريعة كالندم على الذنب، وكسر النفس بالصوم، والاعتصام بالله ما يغني عن ذلك.
وفي هذا الأثر ما يدل على أنَّ قضاء الأعمى كان نافذًا في بني إسرائيل، وأما في شريعتنا فلا تصح تولية الأعمى القضاء، ولا قضاؤه على أرجح المذاهب.
وروى الضياء المقدسي، وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن رجلاً هلك على عهد داود عليه السلام، فغدا فلم يَدْرِ أحد كيف هلك، وخلف ولدًا صغيرًا، فربته أمه حتى ترعرع، ثم انطلقت به فأجرته من رجل صائغ شهرًا معلومًا ليتعلم صنعته، فتقاضاه الصبي ببعض أجرته، فلطمه أستاذه لطمة آلمته، فخرج وهو يتأوه ويبكي، فلقيه داود عليه السلام فقال: مالك يا غلام؟
فقال: يا خليفة الله! إنَّ أمي آجرتني من رجل، فعملت اليوم شهرًا، فطالبته اليوم ببعض أجرتي لشهوة عرضت في نفسي، فلطمني فآلمني.
فشقَّ على داود ذلك، فنزل الوحي في الحال: يا داود! اقطع يد الرجل.
فأحضره وأمر بقطع يده، فاجتمعت بنو إسرائيل وقالت: يا نبي الله! راجع ربك واسأله التخفيف؛ فإن ذلك سنة تبقى إلى آخر الدهر.