للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأمَّا ما يأتي العبد من أخيه بغير مسألة ولا شبهة فقد ترى النفوس القوية أنَّ فيه ذُلًا فتأنَفُ عن قبوله، وترى أن التنزه عنه خيرٌ من أخذه، وليس كذلك بل في قبوله تنفيذ لحصول غرض أخيه وإدخال للسرور على قلبه، ومعونة له على الطاعة، ثم إن شاء كافأه عليه.

فقد روى مالك - رضي الله عنه -، عن عطاء بن يسار رحمه الله: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسل إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بعطاء فردَّه عمر، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لِمَ رَدَدتَهُ؟ " فقال: يا رسول الله! أليس أخبرتنا أن خيراً لأحدنا أن لا يأخذ من أحدٍ شيئًا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنما ذَلِكَ عَلَى الْمَسْألةِ، فَأَمَّا مَا كَانَ عنْ غَيْرِ مَسْأَلةٍ فَإنما هُوَ رِزْقٌ يَرْزُقُكَهُ الله"، فقال عمر: والذي نفسي بيده لا أسأل أحدًا شيئًا، ولا يأتيني شيء من عبد مسلم إلا أخذته (١).

وفي "الصحيحين" عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أنَّ عمر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطيني العطاء، فأقول: أعطه من هو أفقر إليه مني، قال: فقال: "خُذْهُ؛ إِذَا جَاءَكَ مِنَ هَذَا الْمَالِ شَيْءٌ وَأنتَ غَيْرَ مُشْرِفٍ وَلا سَائِلٍ فَخُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ، فَإِنْ شِئْتَ كُلْهُ وَإِنْ شِئْتَ تَصَدَّقْ بِهِ، وما لا فَلا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ" (٢).

قال سالم بن عبد الله: فلأجل ذلك كان عبد الله لا يسأل أحدًا شيئًا، ولا يردُّ شيئًا أعطيه (٣).


(١) رواه الإِمام مالك في "الموطأ" (٢/ ٩٩٨).
(٢) رواه البخاري (٦٧٤٤)، ومسلم (١٠٤٥).
(٣) رواه مسلم (١٠٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>