للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحكمة على لسان الرشيد في قوله: [من الكامل]

مَلَكَ الثَّلاثُ الْغانِياتُ جَنانِي ... وَنَزَلْنَ (١) مِنْ قَلْبِيْ بِكُلِّ مَكانِ

ما لِيْ تُطاوِعُنِيْ الْبَرِيَّةُ كُلُّها ... وَأُطِيْعُهُنَّ وَهُنَّ فِيْ عِصْيانِ

ما ذاكَ إِلاَّ أَنَّ سُلْطانَ الْهَوَىْ ... وَبِهِ سَطَيْنَ أَعَزُّ مِنْ سُلْطانِي (٢)

فإذا كان هذا سلطان محبةِ مخلوق، فكيف إذا غلب سلطان حب الخالق على القلب المقرون بالتوفيق، المملوء بالتحقيق؟ فإنه يدعوه إلى التبريز في خدمته، والسبق إلى طاعته، فالمحبة تدعوه إلى أن لو ازداد من أعمال الخير المرضية لحبيبه، والموجبة لتقريبه لأنه يرى النعم مترادفة من حبيبه إليه، والمنن متعاكفة من قبله عليه، وقد جُبِلت القلوب على حب من أحسن إليها، وأقبل بملاطفته عليها، فدعاه تَرادُفُ النعمة إلى الازدياد من الخدمة، فهو مضروب بسوط المحبة من هذه الحيثية.

ثم إن الحبيب ناداه برسل الإفضال، ورسائل النوال إلى القرب والاتصال، فود أن لو سارع إلى اللقاء طيراناً، فحبسته إرادة الحبيب لبلوغ


(١) في "تاريخ بغداد": "وحللن" بدل "ونزلن".
(٢) انظر: "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي (١٤/ ١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>