وقد يقال: لا يلزم من كونهم مع النبيين والصديقين أن يكونوا منهم.
وفي "تاريخ ابن عساكر" بإسناده عن أبي عبيد الله محمَّد بن المبارك الصوري البصري رحمه الله قال: ثنا الفضل بن سعيد الأزرق، قال: أتيت راهباً في جبل الأسود فناديته، فأشرف عليَّ، فقلت له: يا واهب! بأي شيء تستخرج الأحزان؟ قال: بطول الانفراد، وبذكر الذنوب، وأخبرك أني ما رأيت شيئًا أجلب له داعي الحزن من أوكارها من الوحدة.
قال؛ فقلت له: وما ترى في المكتسب؟ قال: ذاك زاد المتقين، قلت: إنما أعني الطلب، قال: وأنا -أيضًا- أعني الطلب، قلت: الرجل يلزم سوقًا من الأسواق يكتسب الشيء يعود به على نفسه؟ قال: من أمر الدنيا، أم من أمر الآخرة؟ قلت: من أمر الدنيا، قال: ذاك شر قد كفيه الصديقون، وهل ينبغي للمتقي أن يتشاغل عن الله بشيء؟
قال محمَّد بن المبارك: قال لي الفضل بن سعيد: فلقيت رشدين ابن سعد، فحدثته حديث الراهب، قال: صدق، قرأت في كتب الحكمة: لا ينبغي لصديق أن يكون صاحب حانوت (١).
قلت: وإن حمل هذا على ظاهره، فإن من شرط الصديق التجرد عن الأسباب الظاهرة، فهذا كان في شريعة أولئك وملتهم، وأما في شريعة النبي - صلى الله عليه وسلم - وملته فإنَّ الأسباب لا تناقض رتبة من رتب المؤمنين أصلًا.
نعم، يلزم أن لا يكون القلب متعلقًا في طلب الرزق وحصوله إلا