وفي ذلك أنَّ من شأن الصديقين النصيحة، والنصرة للدين والحق، ولأولياء الله تعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأخذ بيد المظلوم، والتلطف في الإنكار على الظالم إذا كان ذا شوكة وغلبة، والتأنق في الاحتيال للتخليص منه، ومناظرته في أثناء ذلك على ألطف الوجوه وأوضحها في بيان الحق والإلزام، وفي ذلك اتصاف الصديق بأبلغ وجوه المعرفة، فافهم!
وفي قوله:{يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا}[غافر: ٢٩] إشارة إلى أنَّ من شأن الصديقين التذكرة بالنعم، وأنها ينبغي أن تعرف وتشكر، ولا تكفر لتدوم، أو لتحمد عواقبها، والتحذير من الاغترار بالملك، والحول والقوة، والظهور والغلبة حذراً من غب ذلك.
ومن مواعظ أبي بكر - رضي الله عنه - المُلائمةِ لذلك: ما رواه الإِمام أحمد في "الزهد"، وابن أبي الدنيا، وأبو نعيم عن يحيى بن أبي كثير رحمه الله تعالى: أنَّ أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - كان يقول في خطبته: أين الوضاء الحسنة وجوههم المعجبون بشبابهم؟ أين الملوك الذين بنوا المدائن وحسنوها؟ أين الذين كانوا يعطون الغلبة في مواطن الحرب؟ قد تضعضع أركانهم
(١) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٣٦٥٦١)، والحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" (٣/ ٩)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (٢/ ٢٧٧) واللفظ له. وأصل الحديث عند البخاري (٣٤٧٥) لكن عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -.