للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: ٢٦٠]، لا أن أبا بكر - رضي الله عنه - كان عنده شك، كلا، بدليل تصديقه أول وهلة، والله أعلم. انتهى (١).

وقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الإحسان: "فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ" (٢) إشارة إلى أول مقام الإحسان وأدناه، وهو مقام الأبرار" أي: فإن لم تكن كمن يراه سبحانه فتكون صديقاً، فكن عالمًا بأنه يراك ويراقبك، فتكون باراً؛ {فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ} [البقرة: ٢٦٥].

فإن قلت: فإذا تقرر أنَّ مقام الصديقية فوق مقام البر، فهل يكون هذا مخالفاً لما رواه الإمام أحمد، والبخاري في "الأدب"، ومسلم في "الصحيح"، والترمذي عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ؛ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلى الجَنَّةِ، وَمَا زَالَ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا" (٣)؟ !

قلت: لا مخالفة فيما ذكرناه للحديث أصلاً؛ فإنَّ البر لا يتم إلا بالصدق فيه -كما تقدمت الإشارة إليه في كلامنا آنفاً- بل الصدق طريق الهداية إلى البر -كما في الحديث- فالصدق بداية البر، والبر بداية الصديقية، وكأن البار بمعنى الصادق، والصديق أبلغ منه صدقاً وبراً.


(١) انظر: "الرياض النضرة في مناقب العشرة" للمحب الطبري (١/ ٤٠٥).
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) رواه الإمام أحمد في "المسند" (١/ ٣٨٤)، والبخاري في "الأدب المفرد" (٣٨٦)، ومسلم (٢٦٠٧)، والترمذي (١٩٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>