للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: فدخل على معاوية رجل فأخبرهَ بهذا عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، فقال معاوية - رضي الله عنه -: قد فعل هؤلاء هذا، فكيف بمن بقي من الناس؟ ثم بكى معاوية بكاء شديدا ظننا أنه هالك، وقلنا قد جاءنا هذا الرجل بشر، ثم أفاق معاوية ومسح عن وجهه، وقال: صدق الله ورسوله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: ١٥، ١٦] (١).

فالشهيد لابد أن يكون الصدق فيه دائماً، ومن ثم لا يصلح العالم المتزندق لأخذ العلم عنه، ولا يكون أهلاً للرواية؛ لقولهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِيْنٌ؛ فَانْظُرُوْا عَمَّنْ تَأْخُذُوْنَ دِيْنَكُمْ". رواه الحاكم في "المستدرك" عن أنس - رضي الله عنه -، والديلمي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - (٢).

ولقد اشترط الله تعالى في الشهداء ما اشترطه في الصديقين، فقال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [الحديد: ١٩].

إن قلنا: إن الشهداء معطوف على الصديقين -وهو أحد الوجهين في الآية -، ولا يصح الإيمان إلا بالصدق والإخلاص فيه، ولعله أراد سبحانه وتعالى بقوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا} [الحديد: ١٩]، كُمِّل أهل الإيمان؛


(١) رواه الترمذي (٢٣٨٢) وحسنه، وابن حبان في "صحيحه" (٤٠٨).
(٢) ورواه مسلم في "مقدمة صحيحه" (١/ ١٤) موقوفاً من كلام محمد بن سيرين، وهو الصحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>