للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والخليل، والفرّاء ... وهذا إنما يدلُّ على تمكُّن الخضر حسين من اللغة العربية، وامتلاكه لثقافة نحوية واسعة أهَّلته لتفسير القرآن الكريم.

ويندرج ضمن اعتماده على التفسير البياني واللغوي: استشهادُه بالشعر العربي، وهو كثيرٌ جداً، ومتناثرٌ في "أسرار التنزيل"، وبقية آثاره.

وقد تميزتْ شواهده الشعرية بالقوة والبيان والتنوع، وكان منهجه يراوح بين إسناد هذه الأشعار إلى قائليها، وعدمه، وهو في كل ذلك ملتزم بـ:

- أن يكون الشعر شارحاً لبعض كلمات القرآن ومفرداته: مثال ذلك: ما ذكره عند تفسير قوله تعالى: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} [البقرة: ٩٣].

" ... الإشراب: السّقي، وهو إيصال مائع إلى الجوف من طريق الفم، واستُعمل على وجه التجوُّز في خلط لون بلون؛ كأنَّ أحدَ اللونين سقى الآخرَ، فقالوا: بياض مُشْرَبٌ بحمرة، وقالوا: أُشرب قلبُه على حب كذا: إذا خالط حبُّه قلبَه:

إذا ما القلبُ أُشْرِبَ حُبَّ شيءٍ ... فلا تأملْ له الدهرَ انصرافا (الوافر)

"ففي جملة: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} مضاف بمحذوف؛ لدلالة المعنى عليه، وهو لفظ: "حب"، والتقدير: حب العجل. والمعنى: أنّ حب العجل خالطهم حتى خلص إلى قلوبهم؛ كما يخالط الماء أعماق البدن. وحذفُ لفظ الحب من نظم الكلام يُشعر بشدّة تعلق قلوبهم بالعجل؛ حتى كأنهم أُشربوا ذات العجل ... " (١).


(١) محمد الخضر حسين "أسرار التنزيل" (ص ١٥٢).