للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"سلام عليكم"، ويُحمل من جهة صناعة الإعراب على أنه خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: مسألتنا حطة؛ أي: أن تحط عنا ذنوباً، والاقتصارُ في لفظ الجملة على الخبر وحده لقيام قرينة تدل على المبتدأ من أساليب الإيجاز المعدود في أبدع فنون البيان" (١).

* استخراج الأسرار اللغوية بالاعتماد على أسلوب العرب:

لمّا كان الخضر حسين شغوفاً باللغة وأسرارها، ضليعاً في معرفة خباياها، كان يعود إلى استعمالات العرب وأساليبهم، قاصداً من وراء ذلك أن يصل بالكلمة على القرار المكين بحسب مبلغ علمه وإدراكه.

ومن نماذج ذلك: ما قاله في تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ} [البقرة: ٨٥].

" ... هذا تقريعٌ لهم؛ لعصيانهم بارتكاب ما نُهوا عنه. وقد وردتْ هذه الجملة على أسلوب قول العرب: "ها أنت ذا قائماً"، فالضمير (أنتم) مبتدأ، واسم الإشارة (هؤلاء) خبر عنه. وجملة: (تقتلون أنفسكم) حال، وهي من قبيل الأحوال التي لا تحمل الفائدة من الأخبار إلا ذكرها ... " (٢).

وبعدَ أن تتبَّعْتُ منهجَه وموقفَه من استخدام النحو والإعراب في تفسير القرآن الكريم من خلال آثاره، وخاصة كتاب "أسرار التنزيل"، تبيَّن لي أنه يمتاز بثقافة نحوية كبيرة، جعلتْه يتخلص من أسر أئمة النحو؛ كسيبويه،


(١) محمد الخضر حسين "أسرار التنزيل" (ص ٩٧)، و"الهداية الإسلامية" (ص ١٠٦).
(٢) محمد الخضر حسين "أسرار التنزيل" (ص ١٣٧)، (انظر -أيضاً-: أمثلة أخرى (ص ٣٥٢، ١٨١).