{مَنْ آمَنَ}: وقع في اللفظ موقع الخبر عن قوله: {الْبِرَّ}، والخبر في المعنى لفظ مضاف إلى من آمن، مقدر لفهمه من سياق الجملة. والمعنى مع ملاحظة المقدر: ولكن البر بِرُّ من آمن بالله. وهذا الضرب من الإيجاز معهود في كلام البلغاء؛ إذ تجدهم يقولون: السخاء حاتم، والشعر زهير؛ أي: إن السخاء سخاء حاتم، والشعر شعر زهير.
والإيمان بالله: التصديق بما لا تتم معرفته إلا به، وهي الصفات الواجبة له تعالى؛ من نحو: الوحدانية، والقدم، والبقاء، والقدرة، والعلم، والغنى المطلق. ومن اعتقد أن الله حَلَّ في غيره، أو اتحدَ به، فقد عمي عن سبيل النجاة، واستبدل بالإيمان جحوداً.
والإيمان باليوم الآخر: التصديق بالبعث، وما يقع بعده من حساب وثواب وعقاب على الوجه الذي وصفته نصوص الشريعة بأجلى بيان. ومما دلت عليه نصوص الشريعة الغراء دلالة لا تحوم بها شبهة: أن للأجسام نصيباً من ذلك النعيم أو العذاب، ولا يختص به الأرواح؛ كما يزعم بعض من لا يريد، أو لا يستطيع أن يأتي الحقائق من أبوابها، وقد كان المشركون ينكرون بعث الأجسام، ويزعمون استحالته، ويوردون في ذلك الشُّبه؛ كما قالوا فيما قصه القرآن الكريم:{مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}[يس: ٧٨]. ورد الله عليهم بدليل نظري ينفي استحالة وقوعه، وهو قوله تعالى:{قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}[يس: ٧٩].
وحيث جاز وقوعه، وقام الدليل السمعي من طريق الوحي المقطوع