أخبر تعالى فيما سبق: أن لأولئك الكفار عذاباً أليماً. وذِكرُه لهم بوصف الكتمان لما أنزل الله يُشعر بأن علة استحقاقهم للعذاب الأليم هو ذلك الكتمان، وجاءت هذه الآية مقررة لهذه العلة بأصرح عبارة، فقال تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ}. . . {ذَلِكَ}: مشار به إلى عذاب الكاتمين، والباء في قوله:{بِأَنَّ اللَّهَ} دالة على أن ما بعده سبب لما قبلها. و {الْكِتَابَ}: التوراة، والباء في قوله:{بِالْحَقِّ} للمصاحبة.
والمعنى: ذلك العذاب الأليم واقع عليهم بسبب أن الله أنزل التوراة مصحوبة ببيان الحق الذي من جملته: البشارة بخاتم النبيين محمد، فكفروا ببعضه، وتناولوه بالتحريف والتأويل، إيثاراً لمطامع دنيوية على هدى الله الذي هو أساس كل سعادة.
{اخْتَلَفُوا}: خالف بعضهم بعضاً. و {الْكِتَابِ}: التوراة، أو التوراة والإنجيل؛ إذ يصح أن يراد: جنسُ الكتاب، والمقام يصرفه إلى هذين الكتابين. واختلافهم في الكتاب: قول بعضهم: كله، أو شيء منه باطل، وتناوُل بعضِهم له بتحريف كلمِه عن مواضعه، أو تأويله على غير ما يُراد منه. والشقاق: الخلاف؛ كان كل واحد من المختلفين في شق غير الشق الذي يكون فيه الآخر. وإذا وصف الخلاف بالبعد، فُهم منه أنه بعيد من الحق، يقال: قال فلان قولاً بعيداً؛ أي: بعيداً من الصواب.