وهم الكاتمون لما أنزل الله. واشتروا: استبدلوا، ومعنى استبدلوا الكفر بالإيمان، والعذاب بالمغفرة: أنهم عدلوا عن طريق العلم، وهو الرجوع إلى الحجة، فأخذوا الكفر بدل الإيمان، وعدلوا عن طريق الجنة، وهو الاستقامة على صالح الأعمال التي من جملتها: إبلاغُ ما أنزل الله، فأخذوا العذاب بدل المغفرة.
{فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ}:
ظاهر الجملة التعجبُ من صبر أولئك الكفار على النار، والتعجب: انفعال يحدث في النفس عند الشعور بأمر يجهل سببه، وهذا المعنى غير جائز في حق الخالق الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فإذا أوردت جملة من كلامه تعالى في الأسلوب الذي يستعمله العرب للتعجب، حملت على أن المعنى الذي استعمل فيه صيغة التعجب، وهو في هذه الآية: صبر أولئك الكفار على النار، قد حل محل ما يُتعجب منه، وهذا معنى قول أهل العلم: إن فعل التعجب في كلام الله يراد منه التعجيب؛ أي: جعل الغير يتعجب من ذلك الفعل، وهو في الآية: صبرهم على النار. والمعنى: تعجيب المؤمنين من جراءة أولئك الكفار، وارتكابهم ما يلقي بهم في النار، لا يبالون ما ارتكبوا، شأن الواثق من أنه يصبر على عذابهم المقيم.
ويجري على هذا الوجه من التعجب: أن تقول لمن يجاهر السلطان المستبد بالعداوة، ويفعل ما يهيج غضبه: ما أصبرَك على السجن! لا تريد التعجب من صبره على السجن، وإنما تريد تلقينه أن التعرض لما يهيج غضب السلطان المستبد لا يقع إلا ممن شأنه الصبر على السجن، والقصد من هذا التعجب: تحذيره من التمادي على مجاهرة ذلك المستبد بالعداوة.