للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: ٤٣]. ووجهه: أن من يعفو عن الخطايا، ويغفر الذنوب، شأنه أن يشرع ما فيه يسر، لا ما فيه عسر.

{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا}:

لما كانت دعوة الحق إنما تصل إلى الناس بعد الأنبياء - عليهم السلام - على ألسنة العلماء، عُنِي القرآن الكريم بإصلاح سيرة هذه الطائفة، وإخراجهم في أحسن تقويم، واشتدت عنايته بخصلة إذا رسخوا فيها، وحافظوا عليها، كانت مطلع كل خير، وهي أن يكونوا أمناء على ما تحملوه من هداية، ويضربوا بالدعوة إليها في وجوه الطغاة، لا يخافون لومة لائم، ولا سطوة غاشم، فمن الحكمة أن ينذر القرآن المرة بعد الأخرى سوء عاقبة كتمان ما أنزل الله من البينات والهدى، ويصل التذكرة بوعيد ترتعد له القلوب رهبة.

وهذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} إخبار على وجه التوبيخ والوعيد لمن يكتم شيئاً مما أنزل الله، فيخفيه عند السؤال عنه، أو عند الحاجة إليه، أو يزيله، ويضع شيئاً آخر مكانه، أو يتأوله على ما يوافق بعض الأهواء، يفعل ذلك لدنيا يصيبها، وهي الثمن الذي اشتراه؛ أي: استبدله بكتمان ما أنزل الله، ووصف هذا الثمن بالقلة؛ لأن كل ما يؤخذ في مقابلة إخفاء شيء مما أنزل الله فهو قليل.

{أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ}:

في هذه الجملة تمثيل حالة أولئك الكفار الحاصلة من أكلهم ذلك الثمن القليل المفضي بهم إلى النار، بحالة من جمل نفس النار، ووجه الشبه بين الحالتين: أنه يترتب على كل ذلك المال الحرام من تقطيع الأمعاء، وشدة الألم، ما يترتب على أكل نفس النار، غير أن العذاب الحاصل من