فتلك المدائح الصوفية ومقالاتهم والتي غلوا فيها غلوًا شديدًا، حتى رفعوا منزلة الرسول إلى منزلة الألوهية والربوبية فتوجهوا إليه بالدعاء والاستغاثة، وطلبوا منه أمورًا كلها تتعلق بصفة القدرة الكاملة لله جل شأنه، ولا يجوز طلبها إلا من الله سبحانه وتعالى، كغفران الذنوب، وتفريج الكروب، وإذهاب الهموم، والغموم، والنجاة من النار، وصفوه بأنه ملاذهم الوحيد الذي لا ملاذ لهم سواه! ! ونسوا الله عز وجل الذي قال في كتابه:(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).
ونحن نقول للمتصوفة: إن الرسول صلى الله عليه وسلم ما هو إلا عبد من عباد الله الذين خلقهم لعبادته وحده، وفضله الله بالرسالة وجعله خاتم الأنبياء والمرسلين وفضله على العالمين، وخصه بخصائص كثيرة دون إخوته من الأنبياء والمرسلين جميعًا، ولكن مع ذلك كله لا يخرجه هذا عن طور العبودية لله سبحانه وتعالى، وقد وصفه الله عز وجل بالعبودية له في أكمل أحواله فقال في الإسراء:(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
وقال في الإيحاء:(فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (١٠) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (١١) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى).
وقال في الدعوة:(وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً).